الفصل 1 – "بداية من تحت الأرض"
📍 سنة 1 من البرج – بعد 2330 الأرضي
الأرض كانت تتنفس بخفوت، كأنها تحاول أن تئن، أن تهمس بأسرار لم يعد أحد يسمعها. من بين طبقاتها المتصدعة، جاء صوت عميق، غامض، يهمس:
"هذه ليست بداية القصة... بل نهايتها التي رفضت أن تموت."
الضوء يتسلل عبر شقوق في الخراب، يرسم خطوطًا ضبابية على الجدران المحطمة. الأرض، التي كانت يومًا عامرة بالحياة، صارت حطامًا؛ خمس حروب عالمية دمرت كل شيء، ملايين الأرواح اندثرت، مدن تلاشت، وسماء لم تعد سوى رماد.
الأسلحة لم تعد مجرد أدوات حرب، بل تحولت إلى وحوشٍ من نار وبرمجة، تبتلع كل ما ينبض بالحياة. المدن سقطت، المحيطات اسودت، والسماء أخيرًا استسلمت، تاركة وراءها طبقة من الغبار يحجب كل أفق.
مع كل هذا الدمار، كان الإنسان يحفر… يحفر إلى الأسفل، إلى الأعماق، إلى ما تحت النهاية. في أعماق الأرض، تحت طبقات الموت، بقيت بقايا البشر؛ لا يتجاوز عددهم الألف. لا دول، لا جيوش، لا سماء. فقط انتظار. انتظار لا يعرف أحد نهايته.
رجل عجوز يحدق في شاشة قديمة، أرقامها تومض بالتحذير: "درجة الإشعاع: قاتل". ومع انخفاض الأشعة لأول مرة منذ قرون، قرر البعض الصعود. لكن ما ينتظرهم لم يكن نور النجاة، بل موت بطيء، قاتل، يحرق من الداخل.
وبين أولئك الذين نجوا، ظهرت طفرات غير متوقعة: قدرات خارقة، عقول تستطيع التفكير بألف مسار في لحظة، تحليل الكون بنظرة واحدة. الأطفال يرسمون رموزًا في الهواء تتحول إلى أضواء، والشابات يتحكمن في العناصر من حولهن.
وهكذا بدأت قصة جديدة؛ بقايا بشر قرروا مغادرة الأرض، وجمعوا قواهم لصنع مستحيل: مركبة فضائية لم يسبق لها وجود، ترتفع من تحت الأرض، تخترق الفضاء بينما الأرض تتقلص خلفها، باحثة عن عالم جديد.
---
📍 الكوكب الجديد – "ألفا"
الكوكب يشبه الحلم؛ أشجار تتنفس، بحيرات تتوهج، جبال كأنها أطراف نجوم. في منتصفه، برز برج أسود، أطول من حدود النظر، جسده مغطى بالظلال، لا يظهر كله أبدًا.
مع دخول المركبة للغلاف الجوي، ظهرت شاشة شفافة تتحدث مباشرة لعقولهم:
"مرحبًا بكم في كوكب ألفا. من الآن تبدأ رحلتكم الأولى… من البرج."
ومن هنا بدأ التقويم البرجي. دولة عظيمة قامت حول البرج، عُرفت باسم أرض الحكماء، وفرض قانون ثابت:
"البرج هو الحامي الوحيد من أخطار هذا العالم. طاعة الكبار بشر، هي ثمن السلام."
---
📍 بعد 100 سنة برجيّة – منطقة B الشمالية
في غرفة ضيقة، يتسلل ضوء خافت من نافذة صغيرة، تتطاير جزيئات الغبار في الهواء. صوت تقليب صفحات الكتب القديمة يملأ المكان، وشاب يجلس وسط أكوام من الكتب، عيناه تلمعان بخليط من فضول وخطر. اسمه إياس.
لم يكن من هواة الحكايات البطولية؛ كل ما يسعى إليه سؤال واحد:
"ما هو البرج؟ أو… من هو؟"
أغلق الكتاب ببطء، ووقف. خطواته على الأرض المعدنية كانت صدى لتفكيره المتوتر. من نافذته، البرج يقف صامتًا وسط الضباب، هائلًا ومهيبًا.
وامامه ظهرت شاشة تلقائية، صامتة، تعرض معدل ذكائه: %69.096، رقم يرفرف كشبح أحمر. شعور داخلي يخبره أن القياس ناقص، وأن شيئًا ما في البرج يراقبه دائمًا، ليس النظام… البرج نفسه.
عندما ضرب كفّه الزجاج بخفة، همس:
"سوف أكتشف حقيقتك..."
وفي تلك اللحظة، كان البرج، بلا شك، يراه بالفعل.
---
📍 داخل البرج – مكان غير معروف
غرفة ضخمة، مئات الشاشات تضيء في الظلام، خلفها كيان ضخم مغطى برداء أسود. من بين الشاشات، يظهر وجه إياس، محدقًا. صوت غليظ وغامض يخرج من الكيان:
"لم تنضج الفاكهة بعد..."
ثم خفت الضوء، وغابت الشاشة، تاركة الصمت يلف المكان.
---
– نهاية الفصل الأول –
---