إيرتيريا :هيونكيل الحكيم

في زمن بعيد في عالم لانعرف متى بدأ ومتى انتهى.

وسط عتمة الليل على ضفة أحد الأنهار الفرعية الطويلة التي شقت سفح الأرض لتعبر نحو المحيط.

وقف شاب ضخم طويل القامة يرتدي كفناً ابيضاً. كانت بشرته بيضاء نقية وشعره أشعث براق يعكس ضوء القمر بخصلاته السوداء وطوله يصل إلى رقبته.

وقف الشاب وحمل سهماً وخشبة وانتظر قليلاً حتى هبت ريح عاتية ضربت موج الفرع النهري فراحت أمواجه تثير جلبة عالية. عندها ضرب بسهمة بقوة على الخشب وأخذ الليل كله وهو ينشد الكلمات على تلك الخشبة القديمة. ثم بعد أن انتهى أخذ بالخشبة وغطاها بالتراب في جانب النهر وغمرها ببعض مائه فتحولت البقعة التي دفنت بها إلى تربة طينية قليلا. راح الشاب بعدها وامتطى جيادهُ الأسمر وختفى من ذلك المكان. أتى بعدها في اليوم التالي شاب آخر كان يبدوا اصغر سناً وشعره أشعث كذلك ولكنه مقصوص يرتدي ملابس فاخرة قليلا ويمتطي غزالا ضخماً. أخذ يبحث عن اللوح الخشبي وبعد أن وجده أخذه وعاد إلى المدينة في منتصف الليل وهو متلثم من خيفة أن يراه أحد. تسلل الشاب عبر الأحياء الفقيرة وعندما وصل اخيرا إلى الخيام بعيدا عن أنظار الحرس دخل إحداها وفتح القماش الذي خبأ فيه اللوح وبدأ يقرأه عندها تحدث صوت في الخلف وهو يسأل: عدت أخيرا ياهيونكيل؟ لقد تأخرت عن العادة الهمج شكوا بانك قد هربت هذه المرة

رد هيونكيل وهو يقرأ اللوح : "لاعليك ياديوجين استطيع محاورتهم حتى لو تلقيت بعض اللكمات الخفيفة. لكن ما يهم الآن أن لاوك أخيرا رد برسالة.

يبدوا بأنهم لايريدونه أن يتحدث ابدا ويشددون الخناق عليه وهو يعمل".

ديوجين :"على هذا المنوال قد تفشل خطة الانقلاب في آرتيا لأنهم يعلمون بأن لاوك فيها والخطة من ناحية آرسيا مستحيلة لأن الدعم من العائلة الحاكمة قد اختفى بعد السقوط لذا" ....

هيونكيل : "لاتهتم للأمر أنا مدرك لذلك. في الحقيقة اعتقد بأن هيلكياس قد مات بالفعل لكن لسبب ما يرفض الهمج التحدث لنا عن ماحصل في مدينة آرسيا ويخفونه كأنه سر عظيم".

صوت ضرب على القماش

يقول الجندي:" ناموا ايها الحمقى صوتكم يعلوا الليل بأسره وإلا جعلتكم تعملون بدلا من أخذ قسط الراحة القليل الذين تحضون به".

يطفأ ديوجين شمعة الخيمة ويستلقي هيونكيل وهو يخفي اللوح ويمسك بورقة وقلم يخرجها من القماشة ويبدأ بالكتابة بهدوء

"هذه هي إيريتريا الآن. هي عبارة عن مقاطعة من إمبراطورية محتلة تدعى إمبراطورية الاطالس. قدموا قبل خمس سنوات من وراء البحر. كانت إيرتيريا إمبراطورية عظمى مقسمة على ثلاث دويلات قبل مئة عام وكانت هذه الدول تتناحر وكل إمبراطورية تدعي أن لها الحق في سيادة قارة إيرتيريا وتسمية امبراطوريتها بذلك .

الدويلات كانت هي إمبراطورية آرسيا

وامبراطورية آرتيا موطني وموطن اهلي واجدادي.

كانت آرتيا وارسيا في صراع سياسي دموي لفترة طويلة لكن حل تحالف بين هاتين الدولتين بعد أن هاجمتهم من جهة الشرق دولة الاشراقيين أو باسمها التاريخي آرشيا. كان جيشهم كبيراً وهائلا توجهوا نحو آرتيا وحاولوا اخذها مباشرة وبسرعة قبل أن تستطيع رد الهجوم لكن آرسيا بدعم منها اتحدت مع آرتيا ودافعوا عن الحصن الرئيسي الامبراطوري وخاضوا معارك حصار في بداية الحرب لكن بعد أن انتهت موارد الاشراقيين قام قادة آرسيا العسكريين بحصار عسكري هجومي وراء قوات آرشيا وبهذا قطعوا سبل الدعم والموارد لهم ثم شنوا عدة هجمات ومعارك مضادة ضد جيوش آرشيا وبعدها أعلن قادة آرشيا استسلامهم واعادوا أراضي آرتيا المحتلة وحلت بعدها هدنة سلام وتحالف رسمي بين الدول الثلاث ومنحت آرتيا آرسيا بعض الأراضي من باب المجاملة ثم بعدها بفترة اتحدت تحت اسم دولة إريتريا. أما عن السكان من دولة آرشيا الذين بقوا في آرتيا فقد تمت معاملتهم بشكل طبيعي عكس المتوقع وتم استقبالهم وكأنهم من اهلها. تعلم هؤلاء لدى أساتذة ومفكرين اكاديميات الدولة وثم عادوا من أميين وعوام إلى خواص مفكرين وعباقرة إلى دولتهم ممى أدى بحكام ووزراء دولة آرشيا بعدها بإعادة التفكير عن إريتريا وقررت الدولة عقد هدنة سلام تحول إلى تحالف في مابعد وتبادل تجاري كبير ثم ضمت بعض أراضيها إلى إمبراطورية إريتريا. وهكذا مرت لمدة ٧٠ سنة احداث تكوين الإمبراطورية. لكن بعد هذا الاتحاد كانت جهة آرتيا المفكرة أكثر تواجه تضارب أخلاقي في الاختلاط مع الكثرة السكانية والأفكار الكثيرة الموجهة من دولة آرشيا و آرسيا مما أدى إلى انحلال أخلاقي عنيف في الدولة ومطاحنات سياسية وحرب لمدة ٢٠ سنة على السلطة كانت وكأنها لا تنتهي حتى قررت الإمبراطورية فتح عدة اكاديميات في كل أرجاء الإمبراطورية مما أدى إلى جعل الشعب يتثقف أكثر ويخرج مفكرين تتوافد آرائهم حول العلم والمعرفة والفلسفة والسياسة لاعلى صراعات ميتافيزيقية دينية وعن آراء لاصحة لها وصلة بالمنطق. واعتمدوا المناهج العقلية وحاولوا بالمنهج الاستنباطي العقلي التفلسف فتفلسفوا كثيرا حتى امتلأت مكاتب الإمبراطورية وانشئوا مكتبة بكبر القصر الامبراطوري لتستطيع تحمل كمية العلم المكتوب. وقد قاموا بتصنيف علومهم وأخرجوا بعض العلوم الجزئية ومن ضمن المفكرين في الدولة ضهرت عدة حركات شبابية على شكل مجموعات تبحث للنقاش والتفلسف حول مواضيع الحياة والاحياء في العالم هذا ومن ضمنهم كانت مجموعتي الفتى المفكر الذي أصبح بسرعة أحد أبرز المفكرين في الدولة.

استطعنا انا هيونكيل برفقة رفاقي من آرسيا وآرشيا المتعلمين وقتها وهم لاوك وهيلكياس أن نكتشف العديد من الأحياء الجديدة والخارقة علميا في إيرتيريا التي عاشت في زمن ماقبل استيطان البشر وفهمنا أنها تملك وعي انفعالي ولكن لاتملك لغة ثنائية للتعبير ومن ضمنها الغريفين كأنه سبع يستعي له القدرة على الطيران بجناحي طير ضخمة وقرون وحيد قرن. استطاع هيلكياس ترويضه وكان الاخير من نوعه لذا تميزت الإمبراطورية في شعار هذا الغريفين فأصبح مصدر قوة وشجاعة لجيشنا واما لاوك فقد اكتشف فصيل الأحصنة الجبلية النادرة التي قطنت مناطق آرتيا القريبة.

وانا استطعت أن الحق ببعض غزلان السهول وروضتها مع بعض المدربين وامتطيت أحدها."

"على أية حال كانت هذه قصص في الماضي. فبعد فترة المراهقة كبرنا أنا ولاوك وهيلكياس. أنا ولاوك اصبحنا مفكرين واكملنا تعليمنا في مكاتب الدولة ولحق لاوك بهيلكياس في مابعد لنقص الجنود في الجيش واخذ هيلكياس بسبب شجاعته في المعارك ضد الاطالس ترقية إلى قائد الجيش الرسمي لكن كما ذكرت كانت الدولة بالفعل تمر بالتداعيات الأخلاقية وانقلابات سياسية أطاحت في النهاية بهذه الإمبراطورية.

اليوم أنا هيونكيل أروي لكم بالتفصيل قصة المفكر وسط الهمج وكيف سنعيد مجد إيرتيريا المفقود الذي احترق هو وعلمه في غيهب النسيان. "

ينهي هيونكيل كتابة المقدمة في الورقة ثم تسقطت دموعه على الورقة وهو يتذكر.

يتنهد ثم يقول : "كان ذلك يوماً جهنميا"

وضع رأسه على

الأرض ويحاول النوم

تخيل هيونكيل ذلك الكابوس مرة أخرى عن اليوم الذي رأى فيه هيونكيل (محرقةمكتبةإريتريا).

يتبع.

End of ch1.