Ficool

Chapter 4 - Chapter Four: When the Heart Finds Home

تسللت أولى بوادر الشتاء إلى المدينة. الأشجار التي كانت تتوهج بألوان الخريف، وقفت الآن عارية، أغصانها هشة في سماء باهتة. سارت مايا في فناء الحرم الجامعي، وشاحها ملفوف بإحكام حول رقبتها، وكتبها ملتصقة بصدرها.

لقد مرّت أسابيع منذ أن قررت التوقف عن إضاعة وقتها على من لا يُقدّرونها. أسابيع منذ أن وقفت أمام مرآتها وأقسمت ألا تسمح لأحدٍ بأن يُشعرها بصغرها مرةً أخرى.

لكن الوعود، مهما كانت قوية، دائما ما يتم اختبارها.

في عصر ذلك اليوم، وبينما كانت تعبر درجات المكتبة، اصطدمت بشخص ما - كومة أوراق تتطاير في الهواء كطيور مذعورة. تعثرت، وهمست باعتذار، وانحنت لجمع الأوراق المتناثرة.

"انتبه،" قال صوت دافئ وهادئ. "هذه الصفحات لا تحب البرد."

رفعت رأسها، والتقت بعينين رماديتين ثابتتين. ابتسم الغريب، وشعره الأسود منسدل قليلاً على جبهته وهو ينحني لمساعدتها. كان طويل القامة، لا يهتز حضوره بفوضى الأوراق من حولهما.

"شكرًا لك،" همست مايا وهي تعطيه حفنة من الملاحظات.

"لا مشكلة. أنا أدريان"، قال وهو يقف ويمد يده.

لم يكن هناك شيءٌ استثنائي في تلك اللحظة - مجرد شخصين يلتقيان حول أوراقٍ متناثرة. ومع ذلك، شعرت مايا بشيءٍ ما، تيارٌ هادئٌ يسري في جسدها. صافحته، وأصابعها تلامس يده، ولأول مرة منذ شهور، لم تشعر بثقلٍ في صدرها.

---

أصبح أدريان شخصية هادئة في أيامها. لم يكن صاخبًا أو مُطالبًا، ولم يُقحم نفسه في عالمها. بل كان يقف على أطراف الحديث، مُحترمًا، صبورًا.

في الفصل، عندما قاطعها الآخرون، كان أدريان هو من قال: "دعها تنهي حديثها".

عندما أسقطت قلمها، كان هو الذي التقطه دون أن يثير أي مشكلة.

وفي المكتبة، عندما كانت تدفن نفسها في الكتب، كان يجلس أحيانًا أمامها، دون أن يقول كلمة واحدة، لكنه بطريقة ما كان يجعل الصمت يبدو أقل وحدة.

في البداية، قاومت مايا هذا الانجذاب. ذكّرت نفسها بدانيال، وسارة، وكل مرة وثقت فيها بسرعة كبيرة ولم يبق لها شيء. لم تستطع المخاطرة بذلك مرة أخرى.

لكن أدريان كان مختلفًا. لم يطلب ثقتها، بل كسبها.

في مساءٍ متأخر، وبينما كان الثلج يتساقط خارج نوافذ المكتبة العالية، لاحظت مايا أنه يرسم في دفتر ملاحظاته. جذبها الفضول، فانحنت قليلاً إلى الأمام.

"هل ترسم؟" سألت.

تردد، ثم قلب دفتر الملاحظات. على الصفحة رسم تخطيطي دقيق لفناء الحرم الجامعي، أشجاره عارية، ومقاعده فارغة. لكن في المنتصف، جلست فتاة ذات شعر طويل، تحمل كتابًا في حضنها، تعابير وجهها تائهة بين التفكير والحزن.

لقد كانت هي.

انحبست أنفاس مايا. "لماذا... لماذا أنا؟"

ابتسم أدريان ابتسامة خفيفة. "لأنك تبدو كشخص يحمل قصصًا لا يراها أحد غيرك. وأنا... أحب رسم الأشياء التي تستحق المشاهدة."

أثرت بها الكلمات أكثر مما توقعت. تستحق أن تُرى.

لطالما توسلت الاهتمام، وتوسلت التقدير. وها هو ذا من لاحظها دون أن تطلب، ومن أدرك قيمتها دون أن يطلب منها إثباتها.

في تلك الليلة، بينما كانا يسيران معًا، والثلج يتكسر برفق تحت أحذيتهما، التفت أدريان إليها.

"هل تشعر أحيانًا أن بعض الناس يأخذون ويأخذون، ولا تدرك مقدار ما خسرته حتى لا يتبقى شيء؟" سأل.

تجمدت مايا في مكانها. كانت كلماته قريبة جدًا من جراحها. أومأت برأسها ببطء. "نعم. أكثر مما أود الاعتراف به."

لم يُلحّ أدريان عليها. اكتفى بابتسامة صغيرة مُتفهمة. "ثم آمل أن تجدي يومًا ما شخصًا يُبادلك العطاء. شخصًا يُشعركِ... وكأنكِ في بيتكِ."

ظلت الكلمة عالقة في الهواء - الوطن.

---

وفي تلك الليلة، حلمت مايا مرة أخرى.

وقفت في غابة شاسعة، والثلج يتساقط حولها كنجوم لامعة. شعرت بالبرد والضياع، وأنفاسها تختلط بالهواء. لكن فجأة، من بين الأشجار، أشرق ضوء خافت.

تبعته، وقدماها تطحنان في الثلج، حتى وصلت إلى كوخ صغير. في الداخل، من خلال النافذة المُجمدة، رأت نارًا مشتعلة، ودفئًا يتدفق على الأرض. وهناك، بجانب النار، كان أدريان - ظهره مُدار، يرسم بهدوء، منتظرًا.

ملأتها الرؤية بدفء لم تشعر به منذ وقت طويل.

عندما استيقظت همست لنفسها:

"الحب الصحيح لا يطلب.

إنه لا يقلل من شأن.

"إنه يجعلك تشعر وكأنك في منزلك."

---

تحولت الأيام إلى أسابيع، ووجدت مايا نفسها تبتسم أكثر، تضحك بهدوء على نكات أدريان الهادئة، وتمشي ببطء فقط لتبقى بجانبه لفترة أطول. كانت حذرة، نعم - ندوبها عميقة جدًا لدرجة يصعب نسيانها. لكنها شعرت أيضًا بشيء جديد ينمو في داخلها. أمل.

وربما، وربما فقط، كان هذا هو ما كانت تبحث عنه طوال الوقت: ليس شخصًا لتبحث عنه.

لم يكن هناك من يكملها، بل كان هناك من يجعلها تشعر بالاكتمال دون أن يطلب منها التغيير.

More Chapters