Ficool

Chapter 4 - الفصل الرابع : بين يديك نار هذا العالم

السماء كانت بلون الرماد.

شمس خجولة تتوارى خلف ضبابٍ خفيف، تنظر إلى ساحة التدريب كما لو أنها تعلم ما سيحدث.

ديفد وقف عند حافة الساحة، يراقب المساحة الرملية التي تتخللها آثار خطوات قديمة وجروح مانا محفورة في الأرض.

كل شيء بدا مألوفًا بشكل غريب… كأنه حلم رآه مئات المرات.

(ساحة التدريب الشرقية. واحدة من أقدم الساحات في الأكاديمية. كتبت عنها فصلًا كاملًا… لكن لم أظن أنني سأقف فيها بجسدي.)

تنهّد بهدوء، وأطلق نظره في المكان.

طلاب، مدربون، بعض الموظفين من الإدارة العليا، ومراقبون تابعون للمجلس.

عندما تنتمي لعائلة كورماستون… فإنك لا تتدرّب دون جمهور.

**

كان الوقت قد حان لاختبار "الاستقرار".

في هذا العالم، وخاصة داخل الأكاديمية الملكية الأولى، يخضع كل طالب يُشتبه بسلوكه أو قوته أو علاقاته لتقييم ميداني يُدعى اختبار الاستقرار العقلي والسلوكي في بيئة عالية الضغط.

أو باختصار: اختبار الاستقرار.

هذا ليس امتحانًا أكاديميًا.

إنه اختبار يقيس قدرة الطالب على البقاء متماسكًا… أمام الخصوم، أمام الاستفزاز، أمام القتال، وأمام أعين المراقبين.

(وإن فشلت فيه… فأنت تُصنّف خطرًا محتملاً على الأكاديمية.)

أما مصير أولئك المصنفين "خطرًا"؟ فإما الطرد، أو الحبس، أو التجنيد في الأقسام السوداء للجيش الملكي.

**

جلس ديفد على مقعد حجري عند الجدار، ينتظر إعلان اسمه.

تأمل أصابعه، وبدأ يحصي في عقله المعلومات التي يعرفها.

(نظام القوة في هذا العالم يبدأ من الأدنى: F، ثم D، C، B، A، S، SS، وأخيرًا SSS.)

في هذا النظام، لا يُقاس الأمر بالقوة الخام فقط، بل أيضًا بالموهبة الفطرية في التحكم بالمانا، تنوع التعاويذ، والاستقرار العقلي أثناء استخدام السحر.

وكل تصنيف لا يفصل بينه وبين الأعلى سوى حاجزٌ واحد: التناسق مع المانا.

**

في العالم الخارجي، يُعدّ من يمتلك تصنيف B قويًا بما يكفي ليصبح فارس مانا في الجيش الملكي.

أما من يمتلك A، فيمكنه التقديم مباشرة ليصبح قائد فرقة في أي تنظيم قتالي في المملكة.

S؟ هؤلاء يُراقبون من قِبل العائلات العشر والنبلاء.

أما SS وSSS؟

هؤلاء لا يُعتبرون أشخاصًا. بل أسلحة استراتيجية.

**

(أما أنا… فتصنيفي F.)

قالها ديفد في داخله كما لو كان يبلع سُمًا.

(في الرواية، جعلت ديفد كورماستون يولد بتصنيف F، ولهذا سعى إلى السحر المحرّم. لم يكن أمامه خيار آخر.)

لم يكن يستخدم التعاويذ التي تُدرس في الأكاديمية.

بل كان يغوص في الطقوس الدموية، يتعامل مع شظايا المانا الفاسدة، يوقظ أرواحًا نائمة في الرماد، ويتلاعب بالدماء والظلال.

**

لكن الآن، الكاتب… عالقٌ في جسده.

ولا يستطيع استخدام أيّ من تلك الطقوس علنًا.

لأنها… محرّمة.

**

أصوات صخبٍ خفيفة بدأت تزداد.

بعض الطلبة لاحظوا وجوده.

رآهم يتهامسون، يضحكون بخبث، يشيرون إليه دون خجل.

"إنه كورماستون."

"عادوا به من الموت، هل تصدق؟"

"قالوا إن عائلته دفعت للمجلس… كثيرًا."

**

لم يرد.

لم يظهر أي انفعال.

بل تابع استرجاع النظام الداخلي للأكاديمية.

(كل أسبوع، يُقام تمرين قتالي مفتوح. يتم اختيار خصمين بناءً على تصنيفيهما، لتقييم مدى السيطرة، والتطوّر، والانضباط.)

وهو يعلم تمامًا… أن المجلس سيستغل هذه الفرصة لوضعه أمام اختبار لا يمكنه تجاوزه.

(الخصم سيكون أحد الأبطال الرئيسيين. هذا أكيد.)

**

رأى المدرب المسؤول يخرج من غرفة المراقبة.

كان رجلاً أصلع، وجهه خشن، عيناه داكنتان كالأرض المحروقة.

صوته جهوري، مألوف لديفد.

"المجموعة الرابعة! إلى الساحة."

وقف ديفد بهدوء، وتقدم.

عندها، بدأت الهمسات تتصاعد.

ومع كل خطوة، كانت الذكريات تضربه كصخور تنهال عليه من السماء.

(كتبتُ هذا الفصل. كتبت كل هذا. أنا… أعرف السيناريو.)

لكنّه لم يكن يعلم…

أنّ الواقع لا يتبع الورق.

**

وقف في منتصف الساحة.

المدرب رفع لائحة.

"ديفد كورماستون… تصنيف F."

صمتٌ، ثم همسات.

"خصمه… ليون دارفال، تصنيف A."

**

لم يظهر أيّ تعبير على وجه ديفد.

لكنه في داخله، تجمّد.

ليون دارفال.

كان أول من كره ديفد في الرواية.

بل كان من قاتله في النهاية، في المشهد ما قبل الأخير، عندما توحّد الأبطال وواجهوا كورماستون في طقسه الأخير.

**

ليون دخل الساحة بخطى واثقة.

عيناه الزرقاوان ثاقبتان، شعره الفضي يلمع، سيفه على ظهره، يفيض مانا بيضاء طاهرة.

نظر إلى ديفد بازدراء.

لم يبتسم، لم يتكلم.

فقط وقف في مواجهته.

**

ديفد شعر بقلبه يخفق.

(يجب أن أكون هادئًا. يجب أن أبدو ككورماستون.)

وقف مستقيمًا، ورفع ذقنه قليلًا، وقال بصوت منخفض، لكن كلماته حملت رائحة السم:

"لم أتوقع أنك ستواجهني، دارفال. اعتقدت أنك تفضّل الضرب من الخلف."

**

انتفضت الحشود، وكأن قنبلة قد انفجرت في المكان.

ليون ضيّق عينيه.

"قلتُ إنني لا أقاتل الحثالة… لكن يبدو أنني سأجبر على تنظيف الأرض اليوم."

**

في مكانٍ أعلى، في شرفة المراقبة، جلس أحد أعضاء المجلس يراقب المشهد.

إلى جانبه، مراقبة خاصة من العائلة الملكية نفسها.

الاختبار لم يكن عاديًا.

بل كان فصلاً من فصول البقاء.

**

وفي قلب كل ذلك، ديفد يهمس في عقله:

(الآن… يبدأ اللعب الحقيقي) 

 **

كان صمتٌ ثقيل يغلف الساحة، كأن العالم حبس أنفاسه.

ديفد وقف في مكانه، قلبه يدق في صدره ببطء… ليس خوفًا، بل استعدادًا.

ليس لأنه يثق بقوته، بل لأنه يعرف من هو خصمه.

ليون دارفال. تصنيف A.

في الرواية، وصفه الكاتب نفسه بأنه "رمز الانضباط السحري"، رجل لا يعرف التردد، ولا يتوقف قبل أن يسقط خصمه صامتًا.

كان يستخدم نوعًا خاصًا من المانا يُدعى "المانا البيضاء"، تُعرف بصفائها وسرعتها العالية في التدفق، وأسلوبه في القتال هجوميّ صريح، لا يترك مجالًا للخصم للرد.

**

رفع المدرب يده.

"ابدأوا."

**

لم تمر لحظة حتى تحرك ليون.

دون صراخ، دون استعراض.

ببساطة، خطوتان للأمام، ثم انحنى جسده، ومن راحة يده انفجرت شعلة من المانا البيضاء شكلت سيفًا قصيرًا، حاد الحواف.

**

ديفد بالكاد استطاع المتابعة.

(سريع. أعرف هذا. لقد كتبتُ هذا.)

لكنه لم يكن مستعدًا لتجربة رؤيته على أرض الواقع.

حتى مجرد استدعاء السيف… ترك أثرًا على الرمال.

**

ليون لم يمنح خصمه ثانية واحدة.

اندفع مباشرة، وسيفه يضرب الهواء أمامه ليقطع المسافة بينه وبين ديفد في ومضة.

ديفد لم يحاول الهجوم.

بل قفز إلى الوراء مباشرة، كما لو أن الأرض نفسها احترقت تحت قدميه.

**

انفجار خفيف عند قدميه.

أثر طاقة من ضربة ليون لامست الرمال.

لو لم يتحرك… لتمزق جسده.

**

همسات عالية بدأت تعلو من الحاضرين:

"هل هو يهرب فقط؟"

"سوف يُهزَم في ثواني."

"قالوا إن كورماستون كان يستخدم السحر المحرم، لكن الآن يبدو فارغًا من أي قوة."

**

ديفد سمع الكلمات.

لكن لم يهتم.

كان يراقب ليون.

حركة الكتف، تردد المانا، ضغط القدم قبل الاندفاع.

(ثلاث ثوانٍ بين كل موجة هجوم… يفتح جانبه الأيسر لحظة عند الارتداد.)

**

ليون توقف للحظة، ونظر إليه باستهزاء.

"ما بك؟ لا ترد؟ أين ذهبت كلماتك السامة؟"

رد ديفد بصوت هادئ:

"لا أقاتل كلبي إلا عندما يعض."

**

غضب ليون.

تحرك بسرعة أكبر، هذه المرة أطلق تعويذة هوائية صغيرة.

شفرة مانا غير مرئية، قطعت الهواء في خط مستقيم نحو ديفد.

ديفد انخفض بسرعة، ركبته لامست الأرض، والشفرة مرّت فوق رأسه بشعرة.

أصابت الجدار خلفه، وخلّفت علامة حارقة.

**

(لا يمكنني الصمود طويلًا. عليّ أن أنهي القتال دون أن أُهزم، أو أن أُظهر قدراتٍ ممنوعة.)

في الرواية، كان ديفد يستخدم تعاويذ دموية، طقوسًا تحتاج لقطع الجسد أو استحضار رموز.

لكن أيّ إشارة لذلك الآن، سيضعه تحت التحقيق.

**

رفع يده اليمنى، واستدعى أبسط تعويذة تذكرها من كتاب الأكاديمية:

"ضوء مانا – الشكل الأول."

ومضة ضعيفة من الضوء البنفسجي ظهرت في كفه. لا تهدد أحدًا، مجرد شرارة رمزية.

ضحك الطلاب.

ليون لم يتحرك.

"هذا؟ هذا ما جئت به لتقاتلني؟ ضوء استدعاء أطفال؟"

رد ديفد:

"كفاية لك."

ثم ألقى الضوء في الأرض، لتُغمر الرمال حول ليون بعينيه.

كان الضوء مشوِّشًا أكثر منه مؤذيًا.

لحظة اضطر ليون ليغمض عينيه، استغل ديفد الفرصة وقفز للخلف مرة أخرى.

**

ليس بعيدًا… لكن كفاية ليلتقط أنفاسه.

**

(يجب أن أجعل هذا القتال يظهر كأني مجنون، لا غبي. أريدهم أن يظنوا أنني لا أستسلم، لا أنني أضعف. إذا خرجت بهدوء، سيظنون أنني جبان. إذا قاومت قليلًا… سيعتبرونه تهورًا مرضيًا، وهذا بالضبط ما يريده المجلس لتصنيفي "غير مستقر".)

**

لكن ليون لم يكن غبيًا.

أغمض عينيه للحظة، شعر بالمانا من حوله، ثم أطلق ضربة مباشرة في الاتجاه العام لديفد.

سهم مانا ضوئي، اندفع بسرعة و…

اخترق كتف ديفد الأيمن.

**

الوجع كان مفاجئًا، حارقًا، حقيقيًا أكثر من أي شيء شعر به.

سقط على الأرض.

لكنّه لم يصرخ.

**

صرير أسنانه، وحركة خفيفة من أصابعه ليضغط على الجرح، كانت الشيء الوحيد الذي فعلَه.

**

اقترب ليون ببطء، رفع سيفه مرة أخرى، وقال:

"القتال انتهى."

لكن قبل أن يضرب، ارتفع صوت المدرب:

"كفى."

**

صمت.

ثم تلا صوت آخر، أعمق، من شرفة المراقبة:

"كورماستون… مستقر. وفق المراقبة الحالية، يُسمح له بمتابعة تعليمه داخل الأكاديمية تحت الإشراف."

**

نظر ليون إلى الأعلى، ثم بصق جانبًا.

"كما تشاؤون."

**

غادر الساحة.

وديفد… ظلّ راكعًا، يضغط على جرحه، ويفكر:

(انتهى الاختبار. لكن اللعبة… لم تبدأ بعد.)

More Chapters