Ficool

Chapter 2 - الفصل الثاني : استقرار هش

كانت الليالي الأخيرة ثقيلة على البشر...

ظلام لم يشبه ظلام الليل، ولا غياب الشمس، بل ظلام الجهل والفوضى.

وفي أحد الملاجئ المهشمة، جلس رجلان أمام نافذة محطمة، يراقبان السماء الغريبة التي تغيّر لونها منذ اندماج العالمين .

قال الأول بصوت متهدّج، كأن الكلمات تخرج من صدر مثقل بالخوف:

"تظنّ أننا سنعيش حتى نهاية هذا الشهر؟"

لم يردّ الثاني فورًا.

ظلّ يراقب ملامح الناس في الخارج: وجوه شاحبة، عيون تبحث عن أي شيء للتشبّث به.

ثم قال أخيرًا:

"لا أعرف... لكن البشر دائماً يجدون طريقة للعيش. حتى عندما لا يستحقون ذلك."

ضحك الأول ضحكة قصيرة، ساخرة ومكسورة:

"كلامك لا يبدو كالأمل."

هزّ الثاني رأسه ببطء:

"ليس أملاً... إنها عادة. لا نعرف شيئًا غير البقاء، حتى لو كان بقاءً مشوّهًا."

صمتَ قليلًا، ثم أضاف بنبرة خافتة:

"ربما هناك شيء ينتظرنا وسط هذا الخراب... شيء قد يرفعنا للأعلى، أو يبتلعنا تمامًا."

ساد صمت ثقيل... كأن العالم نفسه توقف ليستمع.

ثم مال الأول برأسه، وصوته يحمل مزيجًا من الاستسلام والتمرّد:

"لنترك الغد للغد... ونحاول فقط ألا نموت اليوم."

مرّ الوقت ببطء ثقيل، ومع مرور الأيام بدأ رعب الأسبوع الأول يخفت قليلًا.

ورغم الخراب الذي أحاط بالبشر من كل ناحية، كان هناك أمر واحد أراحهم قليلًا: التلاميذ لم يقتلوا البشر فور وصولهم.

احتلوا المناطق الواسعة حول الأحجار الضخمة، رفعوا أعلام طوائفهم وقوانينها أمام الناس، لكنهم لم يسفكوا الدماء.

مرّ أسبوع على ذلك اليوم المشؤوم، وأطلق عليه معظم الصحفيين والكتّاب اسم "يوم الكارثة"، في محاولة لفهم المستحيل أو إعطاء معنى للعالم الجديد.

وبعد أن هدأت موجة الفزع نسبيًا، بدأ الناس يقتربون من مواقع الطوائف... يسألون، يستفسرون، يبحثون عن تفسير لما حدث.

لكن المفاجأة كانت صادمة: التلاميذ أنفسهم لا يعرفون سوى القليل.

لا تاريخ. لا نبوءة. لا سبب لاندماج العالمين.

كل ما عرفوه... كان طرق الانضمام إلى الطوائف.

سلسلة اختبارات مرهقة:

اختبار يقيس قوة الروح.

اختبار يقيس الإرادة.

اختبار النخاع، الذي يقرأ شيئًا لا يفهمه البشر، لكنه يمثل مركز عمليات التنقية والتقوية في كل مراحل النمو، حسب قول التلاميذ.

اندفع الناس لإجراء الاختبارات بدافع الفضول، الطمع، أو الهرب من الخوف...

لكن الرد كان سريعًا وثقيلاً.

طوائف "المسار الصالح" قتلت كل من يمتلك موهبة متوسطة ويرفض الانضمام كخادم.

انتشر الرعب، وتوقف الكثيرون عن المشاركة، ما اضطر الطوائف إلى الاكتفاء بأخذ المال من المتقدمين وتركهم يرحلون.

أما الطوائف الشيطانية، فكانت أبعد ما يكون عن الرحمة.

كل من لا يملك موهبة يُقتل، غالبًا بعد تعذيب طويل وأحيانًا أكل، وكأن الأمر طبيعي تمامًا.

لكن أصحاب المواهب الذين يرفضون الانضمام لم يقتلوا، فقد كان شعارهم:

"الضعيف سيؤكل... والقوي يفعل ما يشاء."

وبينما كانت الطوائف تكشر عن أنيابها، بدأ العالم يدرك حقيقة جديدة:

لم يعد البقاء مسألة حياة أو موت فحسب، بل قانون جديد للبقاء، لا مكان فيه للضعفاء.

ومع استمرار الفوضى، ومع كل يوم يمر دون ضمان للغد، بدأ البشر يفقدون شيئًا فشيئًا قدرتهم على التمسك بالأمل.

لكن، وسط هذا السواد، ظهر ضوء خافت لا يكاد يُرى... الطوائف المحايدة.

لم تكن ملائكية، لكنها لم تكن وحشية كالآخرين.

رفعت رسوم الاختبارات بشكل مرهق، لكنها لم تجبر أحدًا على الخضوع، ولم تقتل أصحاب المواهب الضعيفة.

وللحظة قصيرة، شعر البشر بأن هذا ربما يكون نافذة صغيرة للنجاة.

لكن سرعان ما تلقّوا صفعة الواقع:

وسائل النقل اختفت، الطرقات مقطوعة، المدن مفصولة، والعوائق صارقة.

ما كان يومًا نشاطًا بسيطًا أو رحلة عادية أصبح عقبة شبه مستحيلة للبشر.

تحوّل الأمل الذي تمسّك به الناس للحظة إلى سراب بعيد...

سراب يجعلهم يدركون أن النجاة لم تعد مجرد قرار، بل معركة طويلة ستبدأ قريبًا، معركة لا ينجو فيها إلا من يملك القوة أو الحظ أو شيء آخر لم يظهر بعد.

More Chapters