Ficool

Chapter 1 - بلا عودة

. المقدمة .

.....

لا تُغادر أيّ موقف قبل أن تقول فيه كلّ شيء ترغب في قوله، حتى لا تحترق من داخلك.

(دوستويفسكي)

عندما ترى الفتاة خطيبها السابق يجلس بجوار عروسه بسعادة، وعيناه تنطقان بالحب لتلك العروس التي تركها لأجلها،

تكون نظراتها إمّا غيرة، أو حزنًا، أو حقدًا لتلك العروس.

أمّا هي، فنظرتها كانت سعادةً وفرحًا وراحة.

أجل، سعيدة… ليس لأجل ذلك الحقير ابن عمّها وخطيبها السابق،

بل سعيدة لأنها تخلّصت من خطبته بعد سبع سنوات.

سلوان!

نظرت إلى من هتفت باسمها؛ لقد كانت زوجة عمّها ويعلو وجهها الحزن والأسف.

حسنًا، رغبت أن تخبرها بأنها لا تكترث بابنها ولا تحمل ذرّة حزن لتركه لها، ولكن ما هتفت به زوجة عمّها جعلها تتلقّى صدمة لم تتوقّعها.

قالت زوجة عمّها تواسيها بحزن:

"سلوان، أعلم أنّ ما فعله ابني خطأ، ولكن لا تحزني. لقد سمعت أن عامر تحدّث مع والدك عن صديقٍ له طلب يدك، وهو صديقه المقرّب وشقيق لعروسه. ووالدك وافق عليه، ربّما يكون هو نصيبك."

ماذا؟!

الحقير! الحقير! الحقير! هل أتخلّص منه كي

اعلّق بصديقه المقرّب؟!

لا، لا… لن تسمح بذلك أبدًا!

.....

مرّ يومان منذ زفاف ابن عمّها، ولم يتحدّث معها أحد عن ذلك العريس المنتظر.

وفي اليوم الرابع، أخبرتها أمّها أنّ أباها يرغب في التحدّث معها. ساورها الشكّ أنّه سيحدثها عن صديق عامر.

وحدث ما توقّعته.

قال والدها:

"لقد تقدّم لكِ أحدهم، وأنا وافقت عليه. هيّا تجهّزي لمقابلته."

حلّ الصمت لدقائق قبل أن تقطعه بكلماتٍ تعلم أنّها ستغضب والدها:

"لكنني لا أوافق… لا أريد أن أقابله إن كنت سأرفضه."

ما إن أنهت حديثها حتى صدح صوت والدها الغاضب:

"وأنا قلت موافق عليه! الشابّ جيّد ومن عائلة جيّدة. هل ستكسرين كلامي؟!"

أغمضت عينيها على صراخه.

تبا… تبا لك يا عامر! كم أتمنّى أن أراك تحترق حتى الموت أمامي!

استجمعت شجاعتها وهتفت متمنّية أن يفهمها والدها:

"أبي، وافقت على أن أُخطَب لعامر لسنوات لأنك قلت إنه الأنسب لي، والآن تريدني أن أتزوّج صديقه؟ أبي، صدّقني… إن فعلت ذلك بي ستقتلني!"

هتف والدها بعدم اهتمام:

"عامر أنهى خطبته بك وأكمل حياته، ولا يوجد ما يمنع زواجك من صديقه بما أنّ الشابّ ذو أخلاق عالية."

أخلاق عالية؟! قالها وكأنها حقيقة!

وهل مَن يكون صديقًا لذلك الحقير يمكن أن يكون ذا أخلاق؟!

هتفت منفعلَة أخيرًا:

"أبي، أنا لا أوافق ولن أوافق أبدًا بصديق ذلك الحقير!"

لم تكد تُنهي حديثها حتى تلقت صفعة أسقطتها على أرض الغرفة، وصاح والدها بغضب:

"كان لديه كلّ الحقّ عامر أن يتركك! هل هكذا تتحدّثين عن ابن عمّك، ومن كان سيصبح زوجًا لكِ؟ أمامك ساعة يا سلوان لتتجهّزي…"

أنهى حديثه وخرج.

حدّقت بظهره بغضبٍ وقهر وهتفت تحدّث نفسها:

"لم تترك لي حلاً… لم تترك لي حلًا آخر يا أبي! لم تترك حلاً آخر…"

.....

ها هي جالسة أمام من يُقال إنه زوج المستقبل.

حسنًا، تنظر إليه… إنه جميل الملامح، مقبول، ليس بشعًا. علمت أنّه خريج ترجمة مثل الوغد عامر، بل الاثنان درسا معًا.

من المؤسف أنّه صديق لذلك الوغد، وإلّا كان من الممكن أن تقبل به؛ فهو يبدو جيّدًا نوعًا ما، لا يعيبه شيء.

انتهى اللقاء، وعادت إلى غرفتها لتجري اتصالًا هاتفيًا…

.....

مرّ شهران…

تسلّلت خارج المنزل ببطء في ظلام الليل، حتى ابتعدت عنه وتركت للحرية أن تقود قدميها، تركض مسرعة نحو المكان المتفق عليه.

وكلّ ما تفكّر به: إن علموا بأمر هروبها قبل أن تصل، فسيكون عليها النطق بالشهادة قبل أن يذبحوها.

ابتلعت ريقها ونفضت تلك الأفكار المرعبة: لا… لا، لن يعلموا قبل أن تغادر بمسافة كافية كي لا يصلوا إليها. وستغادر البلاد في أوّل طائرة متّجهة إلى دبي، ولن يصلوا إليها أبدًا.

توقّفت عن الركض أمام سيارة سوداء، صعدت إليها مسرعة وهتفت وهي تلتقط أنفاسها:

"هيا، تحرّكي!"

تحرّكت السيارة سريعًا…

.....

أمام المطار الدولي…

"شكرًا يا غادة لمساعدتي، أنتِ الأفضل!" هتفت وهي تحتضن ابنة خالتها.

ردّت غادة بجدّية:

"حسنًا، أنا ساعدتك وسأساعدك، رغم عدم قبولي بما تقومين به، والذي سيتسبّب بمقتلك إن أمسكوا بك، وإن لم يمسكوا بك ستحرمين من العودة للعائلة إلى الأبد."

هتفت سلوان بلا مبالاة:

"تبا لهم جميعًا! يتحكّمون بي كما لو كنت عروس ماريونيت. الخطيب يقيّدني سبع سنوات من غير رغبتي، ثم في النهاية لا يكتفي بتركي بل يلقيني لصديقه! وعندما أعترض، أتلقّى صفعة من والدي العزيز! لم يتركوا لي حلاً آخر… هم من دفعوني للهروب."

أومأت غادة وقالت:

"حسنًا، رتّبت لكِ كل شيء. صديقتي التي ستساعدك بانتظارك الآن، ستأخذك إلى محلّ إقامتها."

ودّعت سلوان صديقتها وابنة خالتها قبل أن تدخل المطار وتصعد إلى الطائرة التي ستحلّق بها نحو أحلامها… وحريتها.

...

في اليوم التالي علم الجميع بهروبها، واجتمعوا أمام جهاز الكمبيوتر ليستمعوا إلى القرص الذي تركته مع ورقة لم تكتب فيها سوى: «وداعًا وتبًّا لكم».

صمت الجميع ليستمعوا.

انطلق صوت سلوان المرح الساخر:

«مرحبًا يا ابن العم، بالتأكيد الآن علم الجميع برحيلي.

والأكّد أنك وأخي وشباب العائلة تفكرون في كيفيّة إيجادي لقتلي.

(تنهدت بمرارة ثم صمتت قبل أن تكمل):

أتتذكّر يا عامر، قبل سنوات، حين جئتُ إلى غرفتك مساءً قبل خطبتي لك؟ أخبرتك أنني لا أراك سوى أخًا، ولا أتخيّلك زوجًا، وأنه يجب أن نخبر أبي وأباك بأننا بمثابة إخوة فقط. وقتها قطعتَ حديثي، وقلت إنك لست أخي، وأن الخطبة ستتم. لم أجد من يسمعني، فاستسلمت لقراركم وخُطبت إليك.

وعندما ظهرت نتيجة الثانوية بمجموعٍ يمكّنني من دخول كلية العلوم –كما كنتُ أحلم– رفض أبي تعليمي، وقرّر منعي من دخول الجامعة، وأخي رفض التدخّل. وقتها ذهبتُ إليك باكية أشكو إليك حزني وألمي، وطلبتُ منك أن تتدخّل. ألستَ خطيبي؟ لو أخبرتَ أبي بموافقتك على إكمالي الدراسة لَقبِل. كان عندي أمل أن تساعدني، لكنني فوجئت بك تؤيّد أبي بقراره: "ما حاجتها لشهادة جامعية وهي لن تعمل بها؟". صُدمت بك، وخابت آمالي.

مرّت سبع سنوات ، ثم فجأة أخبرتَ الجميع بأنك تنهي خطبتك بي لأنك أحببت شقيقة صديقك؛ فتاة جميلة متعلّمة رأيت فيها فتاة أحلامك. ورغم فرحتي العارمة بإنهاء الخطبة أخيرًا، وفرحتي أنني لن أتزوج بك –فأنت لم تكن يومًا الرجل الذي أرغبه زوجًا– إلا أنني حزنت وشعرت بظلم.

حين وافق الجميع وباركوا زواجك من تلك الفتاة، لم يهتمّ أحد لشأني. كنت أسمع أحاديث الناس: "لماذا ألغيت خطبتها من ابن عمها بعد سنوات؟".

لكن فرحتي بالتحرّر كانت أكبر من أي خيبة. لم تكن تلك أول خيبة من عائلتي، فلِمَ أهتم؟ لكنكم فاجأتموني بقرار زواجي من صديقك وشقيق عروسك الذي لم أرَه يومًا! أليس هذا كثيرًا؟ ماذا كنتُ أنتظر أكثر من ذلك حتى أثور على تحكّمكم بحياتي وتقييدكم لي؟

هل سأموت إن وجدتماني بعد هروبي؟ أنا كنت أموت من الأساس وأنا أرى أحلامي تتتبخر واحدة تلو الأخرى.

نهاية حديثي، يا ابن العم: لا يهمني إن كنتم تبحثون عني لتقتلوني، فقد كنت أموت وأنا بينكم.

أخيرًا... أنا أكرهك من صميم قلبي يا ابن العم».

انتهى التسجيل، وحلّ الصمت في الغرفة حتى خنق الأنفاس.

شعر عز، شقيقها، بالذنب؛ إذ لم يكن يومًا سندًا لها أو واقفًا بجانبها. كان دائمًا يكتفي بالقول: "أبي يعلم مصلحتها أكثر مني". همس في داخله: هل تظن حقًا أن أبي قد يفكّر بقتلها؟ لا... لا يمكن أن يفعل ذلك.

ثم هتف بحذر والده:

«أبي، هل حقًا ستقتل سلوان عندما نجدها؟»

ردّ عليه والده بقسوة، وكأنه لم يتأثر بحديثها:

«بالتأكيد، تلك الحمقاء افتعلت فضيحة بهروبها، فضيحة لن ينساها الناس لسنوات. ولا عقاب لها على فعلتها سوى الموت».

شعر عز بالغضب: ألم يستمعوا إلى حديثها؟ ألم يدركوا أنها لم تفعل ذلك إلا بسبب تهميشهم لها؟

التفت إلى عامر الصامت بشرود، ووجّه له الحديث بحدّة:

«وماذا عنك يا عامر؟ هل ترى أن سلوان يجب أن تُعاقب بالقتل؟»

نظر إليه عامر وابتسم قبل أن يرد:

«هل تظن أننا سنجد سلوان بسهولة؟ هي لم تتخذ هذه الخطوة إلا بعد أن درستها جيّدًا. هي لا تتخذ قرارات عشوائية. وأنا واثق أننا لن نجدها، إلا إذا قرّرت هي الظهور من جديد».

حلّ الصمت على الجميع، وهم يفكّرون في حديثه. كانوا جميعًا يعلمون مدى ذكاء سلوان منذ صغرها. هل حقًا لن يجدوها؟ أغلبهم تمنّى ذلك، فهم –حتى لو لم ينطقوا– لا يرغبون بموتها، بل يحبونها؛ سلوان صغيرتهم.

أما عز، فقد قرّر أن يتأكّد بنفسه من أنهم لن يجدوها أبدًا.

...

في مطار دبي،

كانت سلوان تقف أمام فتاة ذات شعر أحمر ناري، مبهرجة الشكل والملابس. حدّقت بها سلوان في صدمة وشفاهها متفرّقة. أهذه من سأقيم معها؟

هتفت الفتاة بابتسامة واسعة:

«مرحبًا، أنا روعة».

لم تمضِ لحظات حتى انطلقت معها. تحدّثت إليها وعلمت منها أنها تدرس التصميم. تعجّبت سلوان: كيف لهذه المبهرجة أن تدرس تصميم الملابس؟

أخذتها روعة إلى شقتها التي تسكن بها

...

جلست غادة تحتسي عصير المانجو بتلذّذ وبطء، غير مكترثة بمن يكاد يحرقها بعينيه، بل تعمّدت إصدار أصوات استمتاع كي تستفزّه أكثر:

«أمممم... أوه، لذيذ. متأكّد أنك لا تريد واحدًا؟»

احتجّ عليها عز بنظرة غاضبة وهتف بغيظ:

«غادة، أنا أجلس أمامك منذ ساعة ولم تجيبيني، أين هي سلوان؟ أعلم أنكِ من ساعدها».

لم تجبه، وأكملت احتساء عصيرها.

قال بقلق:

«أنا قلق عليها، ألا تفهمين؟»

نظرت له باستخفاف:

«قلق؟ وعلى من؟ سلوان؟ ومذ متى كنت تشغل نفسك بأحد غير نفسك يا عز؟»

هتف بيأس:

«أعلم أنني أناني... لكنني الآن حقًا قلق عليها».

هزّت رأسها مؤكّدة:

«قليلًا فقط؟ لا، بل أنت أناني كثيرًا... كثيرًا جدًّا».

هتف مغتاظًا:

«حسنًا، كثيرًا! هلا أجبتِني أين هي سلوان؟»

أجابته بهدوء:

«لن أقول أين هي. فقط اعلم أنها بخير».

استسلم، فعلى الرغم من محاولاته، لم تُجبه. كان يكفيه أن يعرف أنها بخير.

...

ومنذ قدومها إلى دبي، سكنت سلوان مع روعة. لم تعلم كيف تمكّنت الأخيرة في فترة قصيرة من جعل الجامعة تقبلها بسهولة، رغم أنها تركت الدراسة منذ ثلاث سنوات.

في أحد الأيام، دلفت سلوان إلى الشقة، فوجدت روعة تقف بوجهٍ غامض لا يفسّر شيئًا، لكن بداخلها عرفت أنه هناك كارثة خفيّة. جلست سلوان على الأريكة وسألتها:

«ماذا هناك؟»

جلست روعة بقربها، وابتلعت ريقها قبل أن تقول:

«أبي أخبرني أنني يجب أن أذهب إلى مصر خلال شهرين لحضور زفاف ابنة أخيه الغالية، وإلا سيقطع عني مصروفي الشهري».

رفعت سلوان حاجبها وهتفت:

«انتي لا تحتاجين مصروفًا منه –فلديكِ عمل ودخل شهري– ولو أخبرتِ والدتك وزوجها لن يتركاك. ما لا أفهمه: لِمَ لا تذهبين؟ إنه زفاف ابنة عمك، عليك أن تكوني سعيدة. ستلتقين بعائلتك».

جزّت الأخرى على أسنانها بغيظ:

«أربع سنوات... أربع سنوات نعيش معًا، وخلالها لم أذهب إلى مصر ولو مرة. أوضح هذا بما فيه الكفاية أنني لا أحب الذهاب إلى هناك».

لم تنتظر ردها وأكملت بشرود:

«والآن عليّ أن أذهب لأرى الجميع يدلل الأميرة، ويحضّر لعرسها».

لاحظت سلوان أنها تكاد تحبس دمعة تسقط، ربما لم تخبرها روعة بسبب إقامتها في دبي وعدم ذهابها إلى مصر. لكن سلوان استنتجت أنها مجروحة من عائلتها مثلها، غير أن الفرق بينهما أنّ روعة تستطيع العودة إن أرادت، أما سلوان فستظل هاربة.

....

فتح باب شقته وهو يفرك عينيه من النعاس، ليجدها واقفة أمامه تحدّق فيه بغضب.

صاحت به قائلة:

ــ هل ستخبرني بسببٍ مقنع يجعلك تترك العمل بعد يومين فقط؟

تنهّد داخليًا، حسنًا، يبدو أنّها علمت، وسأستمع الآن لمحاضرة طويلة. ترك الباب مفتوحًا ودخل دون أن يجيب.

وكما توقّع، لحقت به إلى الداخل وأكملت بلهجة غاضبة:

ــ إلى متى ستظل هكذا؟ هيا، أخبرني!

سألها وهو يتجه إلى المطبخ:

ــ هل أُعدُّ لكِ قهوة معي؟

بعد قليل، جلست "غادة" تغلي غيظًا من برود ذلك الرجل الذي لا يفهم أنّها تُحارب من كلّ اتجاه لأجل أن يكونا معًا. والدها لن يقبل أبدًا أن تتزوّج من عاطلٍ لا يكمل يومين في عملٍ واحد.

حدّقت به برغبةٍ عارمة في خنقه.

نظر إليها فرأى في عينيها نظرة تكاد تأكله حيًّا، نظرة مرعبة حقًا. عندها نطق بما اعتقد أنه قد يقنعها:

ــ حسنًا، حسنًا، أعترف أنني مخطئ. لم يكن يجب أن أترك العمل هناك... لكن يا حبيبتي، كان مملًّا، وأنتِ تعلمين جيّدًا أنني لا أستطيع تحمّل الملل، فالموت عندي أهون منه.

صرخت بوجهه:

ــ إذًا ماذا؟! هل سنظل هكذا؟ أبي قال إن تحدّثت معك ولم يجد منك جدّية سيرسلني إلى أعمامي، وسيُجبرونني على الزواج من أحد أبنائهم... وسأنجب أربعة أطفال!

ثم نظرت إليه بهدوءٍ مصطنع وقالت:

ــ هذه آخر فرصة لك. حاول أن تستغلها. لقد أخبرتُ ابن خالتي عنك، وسيدبّر لك عملًا لائقًا. أرجوك، لا تُخيّب ظنّي هذه المرّة.

كان هذا آخر كلامٍ لها قبل أن تغادر الشقّة.

...

ظلّت تحكي لأكثر من ساعة عن كيف تزوّج والدها من والدتها. والحقيقة أنّها لم تشعر بالملل، فالقصة كانت مثيرة.

فوالدها كان يعشق زوجته الأولى، وهي كانت تعشقه، لكن خلافًا وقع بينهما أدّى إلى انفصالهما. ثم تعرّف على والدتها؛ امرأة جذّابة، عفويّة، كثيرة الضحك، لا تفارق الابتسامة وجهها. فكيف لا يقع في حبّها؟ تزوّجها ورُزق بها، لكنها لم تكمل عامها الأول حتى وقع الانفصال بهدوء، فعاد والدها إلى زوجته الأولى وحبّه القديم.

كبرت مشتّتة بين والدها ووالدتها.

قطعت حديثها عن ماضي والديها حين قُلتُ لها:

ــ لم أفهم، ما علاقة هذا بعدم رغبتك في العودة للوطن؟ ومن هي تلك الأميرة التي ستتزوّج؟

ردّت بعبوس:

ــ ابنة عمي.

رفعت حاجبي متعجّبًا:

ــ وما بها؟ هل تتنمّر عليكِ؟

أجابت:

ــ لا... كيف أشرح؟ حصل بيننا خلاف منذ سنوات، فهاجرتُ إلى هنا، ولم أعد أتواصل إلا قليلًا مع أبي. كان يُحاول إقناعي بالعودة، لكن لم تكن لديّ رغبة في ذلك. لا أريد العودة.

قلتُ لها:

ــ حسنًا، واضح أنّك لا ترغبين. لكن لمَ لا تجرّبين؟ ربما حين ترين عائلتك تنسي

ن ذاك الخلاف. جربي، لن تندمي.

أطرقت قليلًا ثم قلتُ:

ــ إذًا عودي معي، لن نبقى كثيرًا.

ــ ماذا؟!

هتفت بصدمةٍ من طلبي غير المعقول، فهي تعلم أنها لا تستطيع العودة؛ عودتها تعني موتها إن صادفت أحدًا من عائلتها.

فهل ستستمع إليها وتعود للوطن ولو لأيامٍ معدودة؟

---

More Chapters