تكملة...
بادر غالاهاد بالمشي بخطوات سريعة ناحية عدوه،ممسكا بحافة المنجل بإحكام.
و بحركة سريعة لوح بمنجله صوب عنق نيكولاس دون رحمة،لكن الاخير و قبل ان يصل المنجل اليه،رما نفسه على الارض متجنبا الموت بأعجوبة.
و فور سقوطه على الارض صوب بندقيته ناحية رأس غالاهاد،لتهرب الرصاصة من فوهة البندقية مخترقتا الرياح،لتستقر مباشرة في منتصف جبهة خوذة،مسببتا دفع رأسه قليلا للوراء.
تدحرج نيكولاس للوراء بخفة،لينهض مباشرة فور ابتعاده عنه بالقدر الكاف.
اهبط غالاهاد رأسه ناحية نيكولاس،ناظرا اليه لبضعة ثواني،ليقوم بعدها بإقراب حافة منجله ناحية مكان الرصاصة في جبهته.
ليقوم بدون تضييع اي وقت بإزلاتها من مكانها مسقطا الرصاصة على التلوج من تحته.
تنهد بخفة،ثم استعاد وضعيته الهجومية مجددا.
و في الوقت نفسه،كان نيكولاس يمشي حوله بخط شبه دائري،بينما يسحب الرصاص من جيبه محاولا اعادة تحميل البندقية من جديد،و في نفس الوقت يقصد المشي ناحية السيف الملقي من بعيد،مفكرا اثناء ذالك"طالما ابقي مسافة امنة بيني و بينه فالافضلية ستكون لي لا محالة(حرك عينيه ناحية السيف)و الان احتاج للوصول الا السيف،لأق_"
اثناء تفكيره و بشكل غريب امسك غالاهاد منجله من نهاية المقبض،رافعا اياه بالسماء بينما يوجه شفتره الحادة للأمام.
و قبل ان يستطيع نيكولاس ملاحظة الامر،رمى غالاهاد المنجل ناحيته بقوة فائق.
،تحرك المنجل في الهواء بسرعة مذهلة، محدثاً صوت صفير حاد وهو يشق الرياح،بينما يدور بشكل دائري سريع.
و بحركة غريزية،و قبل ان يصل المنجل اليه بميليمترات قليلة،حاول نيكولاس ايقاف الهجوم مستعملا بندقيته كدرع.
رفع البندقية بسرعة أمام وجهه، لكن قوة المنجل الدائر كانت هائلة، اصطدم المنجل بجسم البندقية، محدثاً صوتاً معدنياً مدوياً،لتنتزع البندقية من يد نيكولاس،مرسلا اياه بعيدا،ليبقى الاخير اعزلا،دون طريقة لدفاع عن نفسه.
لكن الامر لم ينتهي بهاته البساطة...
قطرات الدم بدأت بالسقوط على التلوج من تحت اقدام نيكولاس،الذي كان يشد عضلات يديه،لدرجة ان العروق كانت واضحة وضوح الشمس فيهما،و اصبعا السبابة و الوسطى قد فصلا عن الكف،محدثين الما لا يطاق.
زفر نيكولاس الهواء بألم،ثم حول انظاره ناحية المنجل الساقط امامه،و كمحاولة لجعل الكفة تميل لصالحه حاول التقاطه من على الارض.
و بكل خفة و سرعة،بادر بالتوجه ناحية المنجل قافزا نحوه،متجاهلا الام جراحه.
و بثوان بسيطة،و قبل ان تتسنى له الفرصة لفعل شيئ،سُحب المنجل بكل قوة ناحية غالاهاد،بواسطة حبل غير ملاحظ كان مربوطا في صندوق صغير بشكل دائري في منتصف المقبض،تحرك المنجل بسرعة عبر الثلج، محدثاً صوت احتكاك خفيف، وعاد إلى يد غالاهاد الذي أمسكه بثبات.
بينما غرس الاخير يده في التلج،متروكا في حالة من الصدمة و الغضب،واقفاً في مكانه، عاري اليدين، بينما استمرت الدماء بالتساقط من اصابعه المقطوعة.
ليقول غالاهاد بنبرة ضجرة"لننهي الامر بسرعة فحسب"
بادر نيكولاس بالمشي متجها ناحية البندقية بينما ينظر اليه بنظرات من التهديد و التوتر مفكرا"الوضع اصبح اكثر خطورة،الافضلية اصبحت لذالك الدا**ر،علي إستعادة البندقية اللع*نة حالاً"
غالاهاد دون تضييع للوقت بدأ بالركض ناحية عدوه،مستعدا لإقطلاع رأسه،اندفع نيكولاس نحو البندقية الملقاة على بعد أمتار، وهو يلهث من الألم والإرهاق.
كان السباق بينهما محموماً. غالاهاد، بجسده المدرع وقوته الهائلة، كان يقلص المسافة بسرعة، بينما نيكولاس رغم خفة حركته كان يعاني من النزيف الغزير والألم الذي يعتصر يده المجروحة. وصل نيكولاس إلى البندقية أخيراً.
التقطها مباشرة ثم وجهها ناحية غالاهاد بسرعة،حاول الضغط على الزناد لكن شيئا لم يحدث،نظر الا سلاحه بعينين متسعتين،ليكتشف في رهبة و صدمة ان الاصابع التي يستعملها لضغط على الزناد قد قطعها،فجسده لم يتكيف بعد اختفائهما.
رفع انظاره بقلق ناحية الفارس المعدني القادم نحوه،ليجده مستعدا لقذف منجله من جديد.
حاول نيكولاس الاطلاق باليد الاخرى،لكنه لم يكن متعودا على المسكة الجديد بعد،و غالاهاد لن ينتظره الا ان يتكيف.
ليقوم مباشرة برمي المنجل عليه،شاقا الرياح الباردة في طريقه،بينما يدور كالمنشار المستعد لتمزيق كل شيئ يقف في طريقه.
نيكولاس،لم يكن لديه وقت لتعلم،ولا التفكير،كل ما وسعه فعله هو تجنب الضربة.
قفز الاخير على التلج متجنبا الموت المحتوم،بينما استمر المنجل بالدوران في مكانه لعدو ثواني،محدثا صوتا اشبه بالصفير جراء الهواء قبل يبدأ بالتراجع للوراء راجعا الا يد مالكه كاليويو.
بينما استمر الاخير بالركض هاربا،يتنفس بصعوبة،و البرد و التعب بدأا بالتخلل في جسده.
جايوس بمكان قريب كان يراقب كل شيئ بنوع من الرهبة و الاستمتاع معلقا على هذا القتال"النتيجة واضحة كل الوضوح...لا مصير لذالك العبد للفوز بأي فرصة ممكنة،الامر اشبه بقتال قط لنمر،غالاهاد...من حياة كاتوري عادي،الا اعلى المراتب في المملكة،انه حقا تجسيد لنجاح"
بدأ البرد يتسلل الا عظام نيكولاس،و التعب واضح على وجهه،بينما بقيت معلومات غالاهاد الجسدية مخفية بسبب درعه.
القلق،الغضب،العزيمة،تلك كانت المشاعر التي هيمنت على قلب نيكولاس في تلك اللحظات.
حرك عينيه يمينا و شمالا باحثا عن اي شيئ قد يساعده بأخذ الافضلية.
لكن الوقت لتفكير لم يكن متاحا له حتى،حيث رما غالاهاد سمع نيكولاس صوت صفيره المشئووم،ليقوم بالقفزبعيدا كمحاولة يائسية لتجنب الهجوم،لكن الحظ لم يكن بصاحله هاته المرة.
اخترقت حافة المنجل قدمه اليسرى، مخترقة الحذاء وممزقة الجلد، مما جعله يصرخ من الألم ويسقط على ركبته،و الدم بدأ بالتسرب من قدمه،ليضعف الاخير اكثر فأكثر.
قبض على قبضتيه بقوة،و ضغط على اسنانه بألم،حاولاً كبح الصرخة التي كادت تفلت منه.
شعر بأن قوته تتلاشى،و ان الموت يقترب منه اكثر فأكثر،لكن غضبه الا محدود و رغبته بالانتقام لم تسمح له بالاستسلام بهذا الحد.
في الوقت الذي خفف فيه غالاهاد من سرعة مشيه بعد ان تأكد من تفوقه،استغل نيكولاس تلك الثوان الزائدة للتفكير بأي خطة.
نظر يمينا،شمالا،و كل ما كان بالجوار هي التلوج و اكواخ الكاتوران و سيارتهم المحطمة.
لكن عيني نيكولاس لاحظتا شيئا من قريب،شيئا قد يكون الامل الوحيد له لإحراز اي تقدم يذكر.
فجأة سقط نيكولاس على الارض،ليباشر بالزحف للأمام التلوج من تحته تمتص دمائه تاركتا أثراً قرمزياً يمتد خلفه وهو يزحف ببطء.
و عدوه يقترب منه بخطوات باردة،تاركا اثرا عميقا في التلوج الدموية من تحته،ممسكاً بمنجله بثبات، قائلا بنبرة هادئة"دعنا ننهي هاته المهزلة"
توقف نيكولاس فجأة عن الحركة،موجها عينيه ناحية غالاهاد القادم نحوه ناظرا اليه بعينين مليئتين بالإشمئزاز و التحدي،و من ورائه مد يده ناحية علبة البنزين مخبئا اياها من خلفه،مفكرا بينه و بين نفسه"فقط اقترب اكثر ايها الدا*ر"
البعد بينهما لم تكن سوا بضعة خطوات،و كل خطوة كانت تفصل عن النتيجة النهائية.
رفع غالاهاد سلاحه ببطء، كأنما يتذوق لحظة النصر الوشيك،مستعدا لتسديد الضربة الاخيرة.
قبض الاخير على علبة البنزين بحكمة،و بكل ما تبقت له من قوة في هذا الجسد المهشم،القى بعلبة البنزين ناحية عدوه.
في لحظة صدمة،لوح غالاهاد بمنجله على العلبة محدثا قطعا عميقا عميقا فيها،من ما تسبب في تناثر البنزين في الهواء،و رذاذه الزيتي غطا درعه و التلج من تحته.
و في ثوانٍ بسيطة امسك نيكولاس البندقية بيديه،مستخدماً يده الأخرى بصعوبة لتثبيتها قائلا بنبرة غاضبة"مت ايها الدا*ر"
ضغط الزناد،و قذفت الرصاصة من فوهة البندقية متوجهتا ناحية درعه المزخرف،لتصنع شرارة بسيطة عند اصطدامها،لتتصاعد السنة اللهب الهائجة حول درعه المزخرف محولتا اياه الا فرن موقود.
اصيب الاخير بالهلع فور اشتعال النيران من حوله و تسلل دخانها لداخل خوذته مسيلتا دموعه،كابحتا انفاسه.
لم يستطع غالاهاد تمالك اعصابه،ليقوم مباشرة بنزع الخوذة راميا اياها بعيدا،ليخرج دخان كثيف اسود اللون غطى على ملامحه.
سحب ذراعيه داخل الدرع ساحبا الخيوط التي تربط بين الذراعين و الصدر،لتتساقط دروع الذراعين على الارض كشعلتين منفصلتين،تاركةً خلفها أثرًا من النيران والدخان.
بحركة اخيرة امسك بدرع الصدر من اسفله متجاهلا احتراق ايديه جراء النيران،و بكل ما يملك من قوة قام بنزع الدرع راميا اياه على التلوج،حيث هبط محدثًا صوتًا مكتومًا وهو يغوص في الثلج ببطئ.
ليكشف عن شكله المخبئ خلف الدرع،رجل ذو بنية عضلية قوية،و وجه وسيم،عينيه بنيتان،و فمه مشقوق في منتصفه جراء حدث ما،شعره احمر طويل يمتد على طول كتفه،يرتدي،يرتدي سترة مبطنة مصنوعة من طبقات من القماش.
كل هذا و نيكولاس يشاهد بصمت و عيناه المتعطشتان لدماء تتسعان ببطئ،و كأنه ذئب ينتظر فريسته للخروج من جحرها،ممسكا البندقية بحكمة و وحشية،مستعدا لقتله مرة و الا الابد.
استجمع ما تبقى من قوته. رفع البندقية بيدين مرتجفتين، موجهًا فوهتها نحو غالاهاد المكشوف.
و بلحظة واحدة ضغط على الزناد لتنطلق الرصاصة مخترقتا الرياح ناحية العدو.
مترات قليلة و الموت سيكون من نصيب الكاتوري...
لكن تلك لم تكن النهاية...
في غمضة عين،اندفع غالاهاد محاولا تجنب الرصاصة و بالوقت نفسه الحصول على منجله.
ميليميترات قليلة تفصل بينهما،الرصاصة تتحرك في مسارها المميت، لامعةً تحت ضوء النيران الباهت،لتخترق حواف بطنه،ممزقتا اللحم و العروق.
سقط الكاتوري على الارض في الم،ممسكا المنطقة المصابة بقوة،و قطرات من الدماء بدأت بالسيلان من فمه،ازداد تنفسه صعوبة و الجو برودة.
متجاهلا الالم،احكم قبضته على منجله الملقي على الارض،ليقف على قدميه بصعوبة،واضعا يده على مكان الطلقة و يده المسلحة تتدلى ناحية الارض.
جمع نيكولاس شتات نفسه،مستعملا بندقيته لنهوض،متكئا على قدم واحدة رافعا القدم المصابة عن الارض لتجنب الالم.
تبادلا نظرات،ليرا غالاهاد عيون نيكولاس المليئة بالحقد و الكره،بينما رأا نيكولاس نظرات من البرود و القلق في عيني عدوه.
الغروب انتهى،و الظلام قد حل،ارتفع القمر بالسماء منيرا الاجواء بنوره الخافت،شاهدا على المعركة.
في نفس الوقت كان جوزيف يتابع المعركة من خلف،ملامحه مليئة بالخوف و القلق على نيكولاس،لتتغير تضاريس وجهه فجأة لمزيج من الاستغراب و الجدية.
التف يمينا و شمالا،متفحصا المكان بإستغراب قبل ان يعيد انظاره ناحية المعركة ليقول بنبرة مستغربة"الكثير من المتاعب عندما اغيب(تنهد)"
فجأة بدأ غالاهاد بالسعال بشكل عنيف و الدماء تنبسق من فمه،كل سعال يزيد من المه،لكن كبريائه منعه من اظهار ضعفه لعدوه.
مسح فمه من الدماء قائلا بعدها بنبرة من التحدي"لا تغتر لكوني بهاته الحالة،فأنا لا ازال واقفا على قدمي"
ليرد عليه نيكولاس و الكراهية و الازدراء واضحة من طريقة كلامه"دقائق قليلة و الموت سيكون من نصيبك"
الوقت حولهما بدأ بالتباطئ،البرد قارس،و الموت يحيط بهما،و محيطهما عُطر برائحة الدخان و الدماء.
و في لحظة سكون،ارجع غالاهاد منجله للوراء،راميا منجله ناحية عدوه بسلاسة.
امسك نيكولاس البندقية من فوهتها،فتح قدميه قليلا بعرض الكتفين،الركبتان مثنيتان قليلاً،احتى ظهره قليلا،ممسكا البندقية كالمضرب مستعد للهجوم،و عيناه مثبتتان على المنجل.
بضربة سريعة وقوية، ضرب المنجل في الهواء، محدثًا صوت اصطدام معدني يتردد في الظلام،ارسله عاليا في الافق،تاركا اياه يحوم في السماء مدمرا استمرارية دورانه.
غالاهاد من قريب،وقف بثبات،جسده مشدود كالوتر،والحبل الرابط بينه و بين المنجل الملتصق حول يده،اطرافه متحجرة بسبب البرد القارص و الجرح القاتل،لكنه و رغم ذالك بدأ بسحب الحبل بقوة مرة تلو الاخرى.
ليبادر الحبل بالتحرك ذهابا و ايابا داخل جهاز معقد داخل المنجل مليئ بالترسات بمختلف الاجزاء صانعا،الترسات المتشابكة، المصممة بحرفية فائقة، بدأت تدور بسرعة، تعيد تنشيط آلية المنجل الداخلية. الحبل، الملفوف حول عجلة داخلية، ينقل القوة إلى النصل، فيجبره على استعادة زخمه الدوراني.
و بحركة اخيرة اهبط غالاهاد يده للأسفل بعنف ليهبط المنجل كالصاعقة نحو عدوه.
استوعب نيكولاس الخطر القادم نحوه،و بدون تفكير سحب نفسه بعيدا عن الهجوم،ساقطا على الارض،ليقطع السلاح التلوج من تحته عائدا الا يد مالكه فور تضييع هدفه.
نهض من على الارض،و الضغط على قدمه المصابة سبب له الما حارقا،لكن نيكولاس استمر بالمشي بين الثلوج ببطئ،و عيناه تركزان على السيف المرمي،اثناء ما كان رأسه يعج بالافكار"البرد ينتشر في جسدي،القفازات لم تعد تقيني من برودة التلج،اشعر بالتعب،الارهاق،اريد فقط ان انام،لكن ذالك ليس الا استسلاما للموت،و وقتي لم يحن بعد،لن اتوقف حتى ابيد كل من في هاته الارض!"
عاد المنجل ادراجه ناحية مالكه،و بكل خفة و مهارة بادر بتحريك الخيوط المتصلة بالمنجل،جاعلا اياه يلتف حوله بشكل دائري محافظا على زخم دورانه،معيدا توجيهه ناحية نيكولاس بشكل عمودي.
صوت صفيره المميت حذر نيكولاسمن الخطر القادم خلفه،ليبادر بالاسراع اكثر فأكثر،المسافة بينه و بين السيف تتقلص،و ايادي الموت بدأت بالالتفاف حوله اكثر فأكثر محاولتا سحبه للهاوية،جسده يريد الراحة و الانتهاء من هاته المعانات،لكنهم جميعا لم يكونو ندا للغضب الا متناهي المولد في داخله،الغضب الذي مده بالقوة و الارادة للمضي قدما.
في لحظة مصيرية،مد نيكولاس يديه المرتجفتين ناحية السيف،ممسكا بالمقبض بكل ما اوتي من قوة،بحركة دائرية،لوح بالسيف صوب المنجل مستعملا كل جزء من جسده لتعزيز الضربة.
تصادم الخصيمان،لينفجر صوتٌ معدني قوي من حولهما،اختل توازن و دوران المنجل في حين ما ارتد السيف للوراء ليختل توازن نيكولاس،اقترب الاخير من السقوط لكنه بحركة واحدة ارجع قدمه للوراء بينما غرس السيف في الارضية،متكئًا عليه ليستعيد توازنه، أنفاسه كانت ثقيلة،و عينه مثبتة على خصمه.
الدماء تدفقت من فمه و سُحب المنجل الا يده،تبادل النظرات مع عدوه مفكرا داخل نفسه"الامر اصبح مزعجا،هذا الوغد لن يموت بسهولة او بصعوبة...ااقوم بتفجيره فقط؟،اعرف ان هذا المنجل هو افضل ما يوجد في هاته الارض،لكنني استعملته بالفعل لذا فهو يعتبر قديما الان،يمكنني الحصول على ما هو افضل لاحقا"
ليبدأ بسحب الحبل بسرعة مرة تلو الاخرى،و بحركة اخيرة سحب الحبل بقوة شامخة تاركا اياه مباشرة،ليرفع سلاحه بالسماء بعدهما استعاد قوة دورانه تاركا اياه يدور بسرعات جنونية حول يده،و بنفس الوقت بدأ دخان كثيف بالخروج من السلاح.
داخل المنجل،بادرت الترسات بالدوران بسرعات جنونية،مُصدرةً صوت طنين دوار يتردد في الأجواء، مزيجًا من الصفير الحاد والزئير المخيف،استمرت الترسات بالدوران بسرعات جنونية لتبدأ عند نقطة معينة بإنتاج احتكاك حراري شديد،يولد شرارة صغيرة لكن متتالية داخل الجهاز،بعض هذه الشرارات تتجاوز فتحة صغيرة مصممة بدقة في المقبض، حيث تلامس مادة متفجرة مدمجة داخل المنجل، تتكون من مركب كيميائي شديد الحساسية،هذه الشرارات، وإن كانت صغيرة، كانت كافية لإشعال المادة المتفجرة، مما أدى إلى تفاعل متسلسل سريع،الطاقة الناتجة عن الاحتكاك والاشتعال تضخمت داخل المقبض، محولةً المنجل إلى قنبلة مدمرة جاهزة للانفجار.
"المسافة بيننا ليست كافية،فالانفجار قوي بما يكفي للوصول الي...لكن بإمكاني رميه بعيدا بحيث يصيبه الانفجار،و انا ابقى امنا،المشكلة الوحيدة ان هنالك جنودا لعن*ء خلفه،قيامي بهذا سيكلفهم حياتهم و ذالك سيسبب لي العديد من المشاكل...اتعرف مذا؟لا احد سيلاحظ شيئا"
بعينين تلمعان بالتعب و الحزم،قذف منجله صوب عدوه،النصل يدور بسرعة مذهلة، شاقًا طريقه في الهواء،و دخان كثيف يترك اثرا من خلفه.
رغم سرعة تقدمه كان سهل التجنب فنيكولاس قد اعتاد بالفعل عليه اثناء القتال،اخذ نفسا عميقا،واقفا على قدميه فيما بعدها،مبتعدا بضعة خطوات للجانب،ليمر المنجل من جانبه دون ان يصيبه بأذى.
التف ناحية المنجل الذي لازال يتقدم للأمام بإستغراب مفكرا"اليس من المفترض ان يعود اليه؟...هو ليس غبيا للقيام بهاته الحركة الخرقاء،مهما كان ما يفكر به فعلي عدم تخفيف حذري"فجأة استوعب الاخير شيئا مهما"اذالك دخان؟انه حقا ينوي على شيئ"
استمر المنجل بالتقدم دون هوادة،يرطتم بالارض مرارا و تكرارا،كل ارتطام يُصدر طنينًا حادًا يشق الصمت.
نيكولاس، بعينين متسعتين من اليقظة،بدأ بفهم الامر اكثر فأكثر"الدخان المنبعث منه لا يمكن انه انتج بسبب الحرارة او الاحتراق فالمنجل مصنوع من المعدن او مادة مشابهة،من ما يعني انه يحمل شيئا داخليا يسبب هذا التأثير،و الشيئ الوحيد الذي اعرفه يفعل ذالك غير النار هي السيارات بعد انفجارها و تلك الكيانات المتفجرة"
شد على وجهه في عصبية و رهبة قائلا بمزيج من الجدية والصدمة"هذا الداعر ينوي تفجيري!!!"
في نفس الوقت،وصل المنجل الا الجنود المتفرجين الذين غلب عليهم الاستغراب من سبب ترك غالاهاد للمنجل هكذا.
وقفوا مشلولين، عيونهم تتبع النصل وهو يرتطم بالأرض مرة أخيرة،محدثًا طنينًا حادًا يشق الصمت. الدخان الكثيف المتصاعد منه أثار الشكوك في قلوبهم، لكن لم يكن لديهم وقت للرد.
و في اجزاء من ثانية انبسق نور قوي من مقبض المنجل،تلاه انفجار هائل هز الارض بعنف،موجة صدمة ساخنة اجتاحت المكان،دمرت الاكواخ القريبة من الانفجار،و حرقت الجنود القريبين بثوانٍ بسيطة،اذابت التلج من تحتهم تاركتا بركة سوداء واسعة ينبعت منها دخان كثيف،في وسطها نصل المنجل الذي شوه جراء الانفجار.
لا صراخ،لا الم،فقط صوت انفجار مدوٍ و موت مفاجئ.
غالاهاد من بعيد شاهد المنظرالمهيب بعينين تعبتين،بينما يهمس قائلا"لم اتوقع ان يكون الانفجار بهاته القوة،من الجيد انني اخذت احتياطي"
فجأة بدأ بالكح بهسيترية و الدماء تخرج من فمه بشكل غير اعتيادي،ازال يده من على فمه ليرا كمية الدماء الضائعة ليقول بنبرة من القلق"احتاج الا طبيب،لكني اولا احتاج لمكان دافئ لراحة لأني بهاته الحالة سأموت قبل ان اصل"
بنسبة لغالاهاد كانت النهاية،جسده المثقل بالجروح والإرهاق لم يعد قادرًا على تحمل المزيد،عيناه تجولتا بالمكان و الشيئ الوحيد الذي شغل باله"علي ايجاد ملجئ"
فجأة شحبت ملامحه و سطير عليها طابع الصدمة و الرعب"لا...هذا غير ممكن..."
من بعيد لمح يدا سوداء تخرج من وسط الجليد،كانت تمتد ببطء، وكأن شيئًا غامضًا يزحف من تحت الثلج،تمسكت الذراع بالسطح الجليدي بقوة،التلج بدأ يتشقق،و من كان يخفيه بدأ بالظهور.
عين مشتعلة بالغضب،جسد عار مليئ بالجروح و الحروق،و دماء خفيفة تتسلل من جروحه.
ازيح الجليد من على جسده فور وقوفه على قدميه،سيفه في يده يعكس ضوء القمر،و عينه تركز على غالاهاد غارستا الرعب و الرهبة في قلبه،الدخان والجليد التفّا حوله كعباءة،ليقول بعدها بنبرة هدفها الترهيب"اهذا اخر مافي جعبتك؟"
قبل الانفجار بثوانٍ بسيطة،دفن نيكولاس نفسه داخل الثلوج مستعملا اياه كدرع لتخفيف تأثير الانفجار،ثم ادخل جسده كاملا داخل سترته ليحمي سائر جسده من الانفجار.
فور وصول الانفجار لمجاله،بدأت الثلوج بالذوبان و الحرارة بالارتفاع، بدأ بالاحتراق،و حرارته بدأت بالارتفاع،لكن الثلوج السميكة من حوله خففت عنه الضرر.
غالاهاد، مشلولًا من الصدمة، تمتم بصوت ضعيف"كيف...كيف نجوت من هذا؟!!"حاول الهروب بعيدا لكن قواه قد خارت لينتهي به الامر ساقطا على الارض.
نيكولاس تقدم بخطوات ثقيلة، السيف في يده يهتز من الإرهاق لكنه مشحون بالغضب،كل خطوة يخطوها كانت تزيد الرهبة و الخوف في قلب عدوه.
بضعة خطوات تفصل بينهم،نيكولاس رفع سيفه بالهواء مستعدا لتسديد الضربة الاخيرة.
فجأة،توقف جوزيف امام نيكولاس،ناظرا اليه بإبتسامة خفيفة،من ما اثار استغراب نيكولاس الذي قال له بمزيج من حيرة و الانزعاج"ما بالك دعني انهي عليه"
لكنه و دون سابق انذار سدد ضربة قوية لبطنه العاري،مسببا الما حادا في معدته ليسقط على قدميه مباشرة.
ليبدأ مباشرة بالتقيئ على الارض و ملامح الاستغراب و الصدمة يهيمنان على الخصمين.
رفع نيكولاس رأسه،عيناه واسعتان حمرواتان من الالم و الذهول ليتمتم بعدها بصوت خافت"ما...ما الذي تفعله؟"
ليتشارك غالاهاد معه استغرابه،قائلا محاولات فهم ما يحدث"نعم ما الذي يحدث؟اليس من المفترض ان تكون معه؟"
تنهد جوزيف للحظة،بينما خرج بخار بسيط من فمه بسبب برودة الاجواء،قبل ان يلتف ناحية غالاهاد ممسكا سترته من جهة الكتف،ليقوم بسحب سترته مظهرا علامة الكاتوران المطبوعة على كتفه.
نيكولاس وغالاهاد، على الرغم من إصاباتهما، تبادلا نظرة صدمة،ليصرخ نيكولاس عليه بمزيج من العصبية و الارتباك"ايها الدا*ر لقد كنت من الكاتوران طوال هذا الوقت!!!"
حاول الهجوم عليه،لكنه سقط على قدميه بسبب اصاباته في كل انحاء جسده.
نظر اليه جوزيف بطرف عينه قائلا بنبرة جدية"لا داعي للمقاومة فأنت شبه ميتٍ حاليا"
تكلم غالاهاد و على وجهه ملامح الجدية"اوه انه انت...جوزيف ذو الوجهين،اسف لقد نسيتك بسبب قلة تواجدك بالمكان"
رد عليه جوزيف بعدم اهتمام"هاته ليست مشكلتنا الكبرى الان"
ليقوم بعدها بالتأشير ناحية ايثان و جيني من بعيد الذين طغت عليهم ملامح الارتباك والحيرة.
حاولو الاقتراب اكثر لكن جوزيف و بحرقة مفاجئة اخرج خنجرا من جيبه ثم وضعه على عنق نيكولاس مباشرة صارخا عليهم"تقدمو خطوة زائدة و سيموت صديقكم ككبش فداء"
ليتوقف الاثنان على الفور،عيونهما ممتلئة بالرعب و القلق،صرخت جيني عليه"جوزيف ما الذي حدث لك الان؟!اذا كانت احد نكاتك فتوقف رجائا فالامر ليس مضحكا"
ليرد عليها الاخير بنبرة هادئة"هممممم لسوء حظكم فالامر ليس مزحة،اسف لسماعكم هذا لكنني لست الشخص الذي اعتدتم عليه،و الان ايثان فل ترمي سلاحك بعيدا"
تمسك ايثان بالسلاح،و عيناه تهتزان من الصدمة،لم يتسوعب ان الشخص الذي اعتبره صديقا سابقا يقف امامه الان كعدو،قلبه امتلئ بالضيق من شعور جديد،شعور سيئ يعتصر قلبه،الغدر و الخيانة.
جوزيف ضغط بالخنجر أكثر على عنق نيكولاس، مما جعل قطرة دم صغيرة تتسرب على الثلج"قلت ارمي سلاحك"
لكن ايثان لم يتجاوب مع كلامه و كأنه لازال تحت تأثير الصدمة،لتقوم جيني متداركتا الوضع بأخذ السيف من يده و رميه بعيدا قائلتا بخوف"حسنا لقد تخلصنا من السلاح،فقط اشرح لنا ما يحدث"
تجاهل جوزيف كلامها ثم وجه انظاره ناحية غالاهاد امرا اياه"لازلت تستطيع المشي اليس كذالك؟"
ليرد عليه قائلا"بالكاد استطيع واعيا للأن،لكني اظن اني استطيع المشي لمسافة جيدة"
ليرد عليه الاخير بإبتسامة"جيد،اذهب و احضر قدر ما تستطيع من الجنود لأخذ المتمردين،اما انا سأبقى هنا لتقييد ذالكما الاثنين"
هز غالاهاد رأسه بالموافقة،ليبدأ بالوقوف على قدميه بصعوبة،بينما يمسك جرحه بإحكام،تاركا اياهم لوحدهم.
نيكولاس بنبرة مكبوتة مليئة بالغضب"جوزيففففف،ايها الدا*ر سوف أقتلك،سوف أقتلك و اشوه احشائك،فقط اصبر علي ايها الخائن"
احكم جوزيف قبضته عليه،ليرد عليه بنبرة فيها نوع من التهديد و التعالي"اظن انك نسيت،انت من احضرني معك من الاساس،لذالك تحمل عواقب افعالك و اصمت الا ان يتم القبض عليك"
من الضيق و العصبية و التعب المفرط لم يستطع جسد نيكولاس الصمود طويلا،ليبدأ الاخير بإغلاق عينيه ببطئ فاقدا الوعي بعدها.
صرخت جيني و القلق يهمش قلبها"نيكولاس!!!"
ليقاطعها جوزيف بنبرة هادئة"لا داعي للقلق لازال هذا العبد حيا،تبا انه يأبى الموت حقا،اشك انه سيلاحقني كشبح ان مات فعلا"
بلعت جيني ريقها بتوتر قبل ان تركز عيناها فجأة على ايثان الواقف امامها.
كان واقفا كالصنم عيناه واسعتان تعكسان العجز و الالم الذي يحس بهما،يداه مشدودتان،و السئال الوحيد الذي خطر على باله هو "لماذا؟لماذا قد يفعل جوزيف شيئا كهذا؟الم نكن اصدقاء؟"
قال جوزيف و ابتسامة ساخرة"لا تأخذ الامر على محمل شخصي يا فتى،او خذه كذالك ذالك اختيارك،فأنا لست نفس الشخص الذي تعرفه على اية حال"
كانت كلماته كالسكين تغرز في قلب إيثان، الذي ظل واقفًا، عيناه ترتجفان من الصدمة و عدم التصديق.
فجأة صرخت جيني عليه بمزيج من الغضب و الحزن"كيف امكنك فعل ذالك؟لقد وثقنا بك!اعتبرناك صديقا لنا"
جوزيف رفع كتفيه بلامبالاة، وهو لا يزال ممسكًا بالخنجر على عنق نيكولاس"مرحبا بالعالم الحقيقي،حيث لا يمكنك الثقة مجرد صفة للأغبياء،و فائدة للأذكياء"
انقضت الدقائق و الساعات،ومع بزوغ الفجر، بدأ ضوء الشمس الأول يتسلل عبر الأفق، ملقيًا أشعة ذهبية باهتة على الثلج الملطخ بالدماء والرماد.
لامست اشعة الشمس عيني نيكولاس المنهك،الذي وضع يده على عينيه بشكل لا ارادي لحجب الشمس،الذي أثار ألماً خفيفاً في رأسه المثقل بالإرهاق.
كان جسده ملقيا على ارض جليدية بيضاء،بينما بدأ بإستعادة وعيه شيئا فشيئا،فجأة و دون سابق انذار اشتدت عيناه بالغضب، و بحركة سريعة نهض من على الارض،اطرافه لا تزال تألمه و قدمه بالكاد تحمل وزنه.
لكن غضبه الا محدود توجه مباشرة تجاه جوزيف،ليصرخ بنبرة من العصبية الخالصة"جوزيفففففففففففففففففففف"
انفاسه غير مستقرة،و غضبه لا يزال يشتعل،نظر يمينا و شمالا ليج نفسه محاطا بجدران شاهقة مليئة بالتشققات تحيط به بشكل دائري.
رفع عينيه إلى أعلى الجدران،لتتوسع عيناه من ويل المنظر الذي رأاه.
صفوف من الكاتوران يملئون المدرجات من اولها لأخرها،بعضهم بدا على وجهه الحماس و البعض الاخر كانو فقط ينظرون اليهم بنوع من التعالي و البرود.
جالسين في صمت مريب،و كأنهم ينتظرون شيئا.
صرخ نيكولاس بعصبية"ايها اللع*اء!اتظنون انكم ستنجون بعد كل ما فعلتموه؟سوف اخرج من هنا و اقطع رأس كل واحد منكم!"
فجأة ردت عليه جيني بصوت متعب حزين"اخفض صوتك...لقد انتهى كل شيئ"
التف نيكولاس ناحيتها بسرعة،ليجدها جالسة على الارض الجليدية معنقتا قدميها و الدموع تنهمر من عينيها،و ايثان بجانبها مستلقي على الارض شارد البال،من ما اثار استغراب نيكولاس.
لتكمل جيني كلامها قائلة"كل من شارك بالانقلاب...قد مات..."
كلمات جيني كانت كالصاعقة، تتردد في أذني نيكولاس وهو يحاول استيعاب ما قالته.
عيناه اتسعتا أكثر، والغضب الذي كان يشتعل في صدره تحول إلى خليط من الصدمة والحزن العميق.
امسك رأسه بمزيج من الحزن و الحسرة هامسا بنبرة مليئة بعدم تصديق"هذا مستحيل...ليس من المفترض حدوث ذالك..."
التف اليها و الجنون بدأ بالتسلل الا عينيه"مستحيل ان يكون هذا صحيحا،لا بد انهم كذبو عليك لتحطيم معنوايتك فقط،انا متأكد من ذالك"
دون نطق حرف،رفعت جيني يدها بهدوء،كاشفتا عن يدها العارية المحمرة من البرودة،لتؤشر مباشرة خلف نيكولاس.
التفت نيكولاس بسرعة، عينه تتبع إشارة جيني، ليجد نفسه يواجه مشهدًا جعل قلبه يتوقف للحظة.
اطراف مقطعة،احشاء متناثرة،و ثلوج مشبعة بالدماء،رؤوس تعرف على ملامحها،و اياد سوداء اثبثث انها من شعبه،و بجانب هاته الفوضى كان هناك قفص معدني في اخر المكان،لا يمكن رأية مافي داخله من كثرة الظلام.
بؤبؤ عينه توسع للحظة، وفمه بقي مفتوحًا من الصدمة، شعر جسده كأنه تجمد، وقلبه أُحيط بمزيج عاصف من المشاعر.
الحزن العميق، الغضب الأعمى،و الصدمة،المشهد امامه كان اسوء شيئ قد يتخيله.
ليهمس بصوت مليئ بالصدمة"ما الذي حدث هنا بالضبط؟من المستحيل ان يستطيعو فعل هذا بهم،هذا ليس عمل بشر"
لتجيبه جيني بهدوء"انه بالفعل ليس عمل بشر...لقد اصبحو طعاما للوحش،و نحن سنكون التاليين"
و قبل ان يستطيع نيكولاس الرد على كلامها،بلحظة صمت نهض كل من كان جالسا على المدرجات على ما يبدو وقفة احترام و رهبة،من ما اثار استغراب نيكولاس و رفاقه.
"مضا وقت طويل منذ رأيتي لك يا ابني"
فجأة سُمع صوت عميق و مهيب من احد المدرجات،ليتوقف قلب نيكولاس للحظة من الرعب و الصدمة"هذا الصوت...ايمكن انه..."
التف نيكولاس للوراء،رافعا عينيه ببطئ،و هو يحاول استوعاب كل ما يحدث.
في اعلى المدرجات،فوق القفص المظلم،كانت المنطقة العلوية من المدرجات مصممة كمنصة ملكية،الوان زاهية،اعمدة خشبية منحوتة بعناية بزخارف معقدة تصور رموز الكاتوران،مصممة لحمل اقمشة حمراء تقيلة التي استعملت كمضلة لحجب الشمس من الدخول للمكان.
في وسط المنصة، كان هناك عرش ضخم مصنوع من الخشب المزخرف،مجلسه مصنوع من القطن الناعم المريح.
في هذا المكان الفاخر، وقف رجل ذو شعر طويل اسود اللون،على وجهه بقايا لحية مقصوصة،ذو انف اكبر من الاعتيادي بقليل،عيناه مليئة بالبرود و عدم الاهتمام،يرتدي على كتفه اليمين الجزء العلوي من جمجة بشرية في اعلاها نقش الكاتوران،و على الكتف الثانية الجزء العلوي لجمجمة احد الغرباء،ذو 6 تدل على مكان الاعين،و قرون صغيرة حديثة النمو في اعلى الرأس،يرتدي ردائا طويلا وراء الظهر احمر اللون مثبث مع الجمجمتين،يرتدي ملابس مليئة بالزخارف المعقدة.
نيكولاس،احكم قبضتيه،و جز على اسنانه من العصبية،و عيناه حملتا حقدا ليس له حدود،ليصرخ عليه في سخط"لا تجرئ على مناداتي بأبنك ايها الد*عر"
بكل هدوء و عدم اهتمام رد عليه الملك بنبرة يملئها الهدوء و التعالي"مرت سنوات عدة منذ اختفائك،و اول شيئ تقوله بعد لقائنا هو هذا؟يبدو انك لم تتغير ابدا"
جيني بالخلفية،ضلت تطالعهم بإستغراب بينما تفكر"ابني؟ما الذي يقصده هذا العجوز؟"
فكرت، وهي تحاول استيعاب العلاقة بين نيكولاس و الملك،نقلت أنظارها إلى ظهر نيكولاس العاري للحظة،لتتجلى ملامح الفزع على وجهها فور رأيتها لظهر نيكولاس المليئ بالكدمات و الاصابات المترسبة على مدار السنين،لكن شيئا ما برز عليهم جميعا،شيئ اثار اهتمامها بشدة،ما بين عنقه،علامة الكاتوران مملوئة بالجروح و الكدمات،مشوهتا منظر الرمز على جسده،و كأن احدا كان يحاول ازالتها بشتى الطرق.
في الوقت نفسه اكمل نيكولاس كلامه في عصبية عارمة"نفس الشخص؟هههههههههههه انظرو من يتكلم،الشهو*ني الذي لا يستطيع كبح رغباته القذرة حتى مع اناس من المفترض ان لا يمسهم بأذا"
الملك بكل نرجسية،رفع حاجبه الايسر ببرود و ابتسم ابتسامة هادئة"اوه يا نيكولاس،امك كانت مجرد خادمة بسيطة تشتغل في قصري الجميل،لم تتكن تتكلم كثيرا و لم تكن مميزة كثيرا،فقط فتاة صغيرة جميلة،و لسبب ما اردتها ان تكون ملكي،و قد فعلت ما فعلته،لم يعرف احد ذالك سوا زوجاتي سابقا خوفا من العار،لكنني ادرك مأخرا انني الملك بإمكاني فعل ما اشاء و لن يحاسبني احد على ذالك،لذالك ها انا ذا اقول ما فعلته امام الجميع"
همسات الحضور الكاتوري في المدرجات، ارتفعت كموجة خافتة، مشحونة بالصدمة والاشمئزاز. ملامح الاستياء كانت واضحة على وجوههم، لكنهم ظلوا صامتين، أعينهم تتحاشى النظر مباشرة إلى الملك.
رفع نيكولاس اصبعه ناحية الملك بعصبية قائلا بنبرة ساخطة"و انظر ما الذي فعلته،لقد خربت حياة والدتي بالكامل،فعلتك الشنيعة جعلت شعبها نفسه يفر منها،معتبرينها عارا عليهم،و شعبك كان يعتبرها ادنى من ان تكون منهم،الكل كان ضدها الا القليل،و مع ذالك تحملت كل نتائج اخطائك و ربتني بكل ما استطاعت من جهد،اما انت...فقد كنت فقط جالسا على عرشك منغمسا في شهواتك"
دون ذرة شفقة او اهتمام اتكأ الملك على عرشه بهدوء رافعا يده للهواء،ليبدأ القفص من تحته بالانفتاح ببطئ محدثًا صوت احتكاك معدني ثقيل يتردد بين الجدران.
و اثناء انفتاحه،رُمي سيف بجانب نيكولاس من احد الجنود بالاعلى،ليقوم بحمله دون تردد،لم تمر ثوانٍ بسيطة حتى فتح القفص بالكامل.
توقف الحشود عن الهمس،ليعم صمت غريب الاجواء،في الوقت نفسه اتخذ نيكولاس وضعية دفاعية في حالة حدوث اي شيئ غير متوقع.
من داخل الظلمة خرج الوحش الذي تسبب في قتل السابقين،استمر بالتقدم ببطئ خارج البوابة الا ان خرج منها بالكامل،كاشفا عن شكله للجميع.
وحش عملاق اشبه بالتمساح،من كبر حجمه كان بنفس حجم البوابة او اصغر قليلا،ذو جلد صلب احمر اللون،بدون عينين،و اسنان حادة،مع ذيل عملاق.،و مخالب عملاقة تشق التلوج من تحته.
صوت خطواته العملاقة ترددت في اذان ايثان لتعيده لرشده على الفور،نهض من على الارض و عينيه متقلتين بالاستغراب و الصدمة.
حجمه العملاق،مخالبه الحادة زرعت الرعب فيهم جميعا.
تنهد نيكولاس للحظة قبل ان يبدأ بالمشي ببطئ ليمينه محاولا معرفة الوحش بشكل افضل بينما يفكر"لقد دخل علينا منذ لحظات لكنه لم يقم بأي حركة تذكر،انه ضخم و جلده واضح عليه القساوة،اي ان فرصة فوزي بقتال مباشر معدومة تماما"
على غفلة وطأت قدم نيكولاس على ذراع مبثورة على الارضية،مصدرا صوتا خفيفا جراء ذالك.
و دون سابق انذار التفت الوحش ناحية نيكولاس بادئا بالركض نحوه بوحشية.
لسانه العملاق يتدلى من فمه،ولعابه الزج يتسلل خارج فمه.
نيكولاس،بدون تردد يذكر بدأ بالركض بكل سرعته بعيدا عنه.
اصطدم الوحش بالجدار،هازا اياه من قوته،بدا مضطربا للحظة،لكنه استعاد توازنه بسرعة ليعود لملاحقة نيكولاس بكل همجية.
انفاسه تسارعت،و قلبه ينبض بعنف،و الجدية و التوتر محفوران على ملامحه"اللع*ة لن استطيع الركض الا الابد،احتاج لإيجاد فكرة ما بسرعة_"
و قبل ان يتسنى له الوقت لتفكير،احس الاخير بهواء دافئ ذو رائحة كريهة من خلفه.
ادار رأسه للخلف مباشرة لتتغير ملامحه مباشرة للخوف و الرهبة.
من ورائه مباشرة رأى فم الوحش العملاق مفتوحًا على مصراعيه،اسنانه الحادة المليئة ببقايا الجثث،و لسانه العملاق يتلوى كالافعى.
في تلك الثواني البسيطة التي تفصله عن الموت،قفز بعيدا عنه لإنقاذ حياته،و بلمح البصر رما السيف مباشرة داخل فم الوحش.
لنصل أصاب لسان الوحش العملاق، مغروسًا فيه قليلاً،مما جعل الوحش يزأر بألم ويتلوى بعنف، دم أخضر كثيف تسرب من فمه.
سقط نيكولاس على الارض بصعوبة،بينما توقف الوحش عن الركض بادئا بتحريك رأسه بحركات عشوائية من الالم محاولا ازالة النصل من لسانه.
استغل نيكولاس الفرصة ليقف على قدميه مباشرة و يبدأ بالجري ناحية القفص صارخا على ايثان و جيني"انهضو هاته فرصتنا الوحيدة للهروب!"
نهض ايثان من مكانه فور سماعه لكلامه،امسك كتف جيني بقوة جاعلا اياها تقف قدميها ليبدأ بالركض متبعا نيكولاس.
القا عليها نظرة خاطفة ليلاحظ ان ملامحها خالية من اية مشاعر و جسدها مرتخي بشكل غريب و كأنها ليست معهم في هذا العالم.
دَاخِلَ أَرَاضِي الذَّاكِرَةِ
وسط الحقول الخضراء كانت جيني مستلقية على العشب بهدوء،تتمعن السماء الزرقاء الملبدة بالغيوم،منبهرتا بجمالها.
تكلم القمر الذي كان على هيئة القناع معها بصوت هادئ مريح للأذان"أُلْقِي عَلَيْكَ السَّلَامَ تَحِيَّةً، تَحِيَّةَ حُبٍّ مِنْ عَبِيرِ مَوَدَّتِي، أَنَالَ رَأْيَتَكِي بَاتَ يُسْعِدُ مَهْجَتِي"
ابتسمت جيني ابتسامة خافتة و هي تشعر بدفئ كلماته يغمر قلبها لترد عليه"شكرا لك يا قمر،دعوتك لي تسعدني"
رد عليها القمر"ما أُرِيدُ سِوَى رُؤْيَةٍ لِجَمَالِكِ، يَا نَجْمَتِي فِي الدُّجَى آخِرَ الأَيَّامِ"
استغربت جيني للحظة لترد عليه بإستغراب"ما الذي تقصده بأخر الايام؟"
صمت القمر للحظات،متمعنا الا الغيوم للحظة ليرد عليها بعدها بنبرة هادئة"أَتُودِّينَ رُؤْيَةَ النُّجُومِ؟"
هزت جيني رأسها بالموافقة لتتغير السماء الزرقاء فجأة الا سماء سوداء ملبدة بالنجوم.
و بشكل غريب كانت جيني تصدر ضوئا خفيفا مريحا للأعين انار كل شيئ من حولها،و كأنها قمر على الارض.
و بنفس الوقت احست بدفئ غريب ينبعث من داخلها اتا معه احساس راحة خلاب.
جيني بنبرة هادئة همست للقمر قائلتا"كم احببت الليل و هدوئه،و خاصتا رأيتك في سمائه"
ليرد عليها القمر هو الاخر"يَتَوَاهَبُ القلبُ حُبًّا يَسِيرُ، فَقَلْبيِ بِوَجْدِكِ نَارٌ تَنِيرُ"
ليعم الهدوء بعد انتهاء هاته الكلمات،صوت الاعشاب التي تلامس الهواء في كل مكان،و النجوم و المجرات تزين سماء الليل.
و عينا جيني توسعتا من جمال المنظر و قلبها ارتاح من هدوء المكان.
مرت الثواني و الدقائق و الساعات و الايام،صمتو فيها،و تكلمو فيها،فرحو و حزنو،و ضحكو و بكو،تشاركو قصص وهمية،و لعبو العابا كثيرة،كل ثانية تم استغلالها و الاستمتاع بها خير استمتاع في هذا المكان.
فجأة و اثناء ما كانو يستمتعون كعادتهم في هذا المكان،حدث ما لم يكن في الحسبان،السماء لوثث و احمرت،و الاراضي تشوشت و جفت،سواد غريب بدأ يقترب منهم من بعيد،و الشمس بالسماء وقتها قليل.
جيني و رغم كل ما هذا قالت للقمر بنبرة هادئة خالية من اي هموم"ما الذي يحصل يا صديقي؟"
تنهد القمر للحظة،و بنبرة مليئة بالحزن و الحسرة"أَسَفِي عَلَى عَدَمِ إِخْبَارِي إِيَّاكِ بِذَلِكَ مُسْبَقًا، لَكِنْ مُنْذُ أَوَّلِ دُخُولِكِ أَرْضَ الذَّاكِرَةِ فَقَدْ كُنْتِ مَيِّتَةً بِالْفِعْلِ"
بمزيج من الاستغراب و الهدوء سألت جيني القمر"مذا تقصد بأنني ميتة؟"
رد عليها القمر،و الدموع بدأت بالانهمار من عينه"لَقَدْ حَدَثَ شَيْءٌ مَا بِالْعَالَمِ الْحَقِيقِيِّ، لَا أَعْرِفُ مَا هُوَ لَكِنَّهُ جَعَلَكِ عَلَى شَفِيرِ الْمَوْتِ، لِذَلِكَ فِي لَحَظَاتِكِ الْأَخِيرَةِ سَحَبْتُكِ إِلَى هُنَا، فَالثَّانِيَةُ الْوَاحِدَةُ فِي الْعَالَمِ الْحَقِيقِيِّ تُسَاوِي يَوْمًا كَامِلًا فِي هَذَا الْمَكَانِ، لَكِنْ يَبْدُو أَنَّ وَقْتَكِ قَدْ حَانَ، وَالْمَوْتُ قَدْ وَصَلَ إِلَيْكِ"
استمر الظلام بإلتهام المكان شيئا فشيئا،الاراضي الخضراء قد دمرت،و السماء ملئت بالظلام الدامس،و بيتها قد التهم من قبل الظلام.
لكن جيني لم تعر لأي من هذا اي اهتمام بل اكتفت بالنظر الا الظلام بأعين باردة"اتعرف ايها القمر؟من المفترض ان اكون مذعورة من كل ما يحدث الان،لكني لست كذالك،غريب اليس كذالك؟"
رد عليها القمر و الحزن واضح على قناع"...لِأَنَّكِ قَبِلْتِ المَصِيرَ بِصَمْتٍ، مُنْذُ البِدَايَةِ،ياَ نَجْمَةَ النُجُومِ"
ظهرت ابتسامة خفيفة على فم جيني،تلتهى ضحكة خفيفة استمر صوتها بالعلو شيئا فشيئا.
قناع القمر على النصف الاخر من وجهها كان عبوسا تنهمر من عينه الزرقاء دموع منيرة مليئة بالحزن.
جيني من النصف الاخر من وجهها كانت تضحك بجنون هستيري،عينها مقفلة من كثر الضحك الغير مبرر.
جيني والقمر، واقفان وسط الظلام الذي ابتلع أراضي الذاكرة، توقفا عن الضحك والبكاء في نفس اللحظة.
لتنطق جيني و على وجهها ابتسامة بسيطة"القمر..."
ليرد عليها الاخير"نَعَمْ."
لتكمل الاخيرة كلامها"ايمكنني رأيتك لمرة اخيرة؟"
فور انتهائها من كلامها،انبسق نور قوي من القناع،لينفصل من على وجهها و يرجع لهيئته الاصلية بشكل تدريجي.
القمر بشكله الكروي،و عينه الباكية في منتصفه،نظر الا جيني نظراته الاخيرة قائلا لها بنبرة مليئة بالمحبة"يَا نَجْمَتِي...رُؤْيَتُكِ كَانَتْ نُورَ قَلْبِي، وَودَاعُكِ الآنَ يُمْزِقُهُ،"
ليمسك القمر يدا جيني بلطف و حنية،ناظرا بعينه الكبير الا عيني جيني للمرة الاخيرة"لَكِنْ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ رَغْبَتُكِ الأَخِيرَةُ، فَسَأَكُونُ لَكِ نُورًا حَتَّى النِّهَايَةِ"
لترد عليه جيني بإبتسامة مليئة بالحنية و السعادة"شكرا لك،على كل شيئ"
ليبتعلهم الظلام مباشرة،تاركا ورائه الصمت و الظلام،معلنا عن نهايتهم في هاته الحياة.
خارج ارض الذكريات،دخل نيكولاس لداخل قفص الوحش،القاذورات منتشرة في كل مكان بالداخل،منبعث منها رائحة كريهة تخنق الانفاس.
تفحص نيكولاس المكان بعناية بعينه محاولا اكتشاف اي مخرج و لو صغير،لكن لم تكن هنالك فائدة تذكر.
التف للوراء بسرعة قائلا بنبرة متوترة"ارجعو بسرعة المكان_"
تجمد جسده قبل اكماله لكلامه،عيناه توسعتا من الصدمة،و فمه بقي مفتوحا من هول منظر.
من خارج القفص،الوحش تخلص من السيف المغروس في لسانه،باصقا اياه على الارض،و بلحظات قليلة تقاس الثواني فتح الوحش فمه الملبد بالانياب لأخره،و بقضمة واحدة ابتلع كلا من جسد جيني و ذراع ايثان الذي كان يسحب بها جيني.
صوت العظام وهي تتكسر تحت ضغط أنياب الوحش العملاق تردد في أذني ايثان،الدماء تناثرت على وجهه المصدوم.
سقط ايثان على ركبتيه،و ما تبقا من ذراعه بادر بالنزيف،تاركا بركة قرمزية تتسع على الثلج البارد.
بؤبؤ عينيه الموسعان كانتا كمرآتين مكسورتين تعكسان صدمة لا يمكن للكلمات وصفها،وجهه خالٍ من اي تعبير يخفي خلفه فوضى من المشاعر المتضاربة داخله.
في تلك اللحظة جرب ايثان شعورا مقيتا لم يجربه مرة في حياته،شعور مزق قلبه لأشلاء من سوئه،و دمر مشاعره في ثوانٍ بسيطة،
في الوقت ذاته ابتلع الوحش جثة جيني بعد مدة من المضغ،ايثان جالس امامه دون حراك،ينظر الا بقايا جثة جيني الملقية على الارض.و لم تكن سوا مسئلة وقت قبل ان يكون مصيره هو الاخر كصديقته.
لكن في اللحظة الاخيرة بادر نيكولاس الصراخ بهستيرية محاولا جذب انتباهه.
تجاهل الوحش ايثان،ليبدأ بالركض بعصبية و همجية ناحية نيكولاس الذي بادر بالهروب فور ذالك.
استمر نيكولاس بالركض في الارجاء محاولا شراء الوقت لإيثان،و الوحش من خلفه يقترب منه شيئا فشيئا.
صرخ الاخير بنبرة تعبة"ايثاننن!!!انهض بسرعة!،اهرب،اختبئ،افعل اي شيئ"
لكن ايثان بقي ساكنا في مكانه،غير متفاعل مع صرخات نيكولاس.
حاول الاخير ايجاد اي سلاح لدفاع عن نفسه لكن لم تكن هنالك فائدة تذكر.
فور رأية نيكولاس لحالة ايثان،ادرك مباشرة بأن مصيرهم محتوم،ليبدأ مباشرة بالضحك بشكل هستيري،تردد ضحكاته بالهواء البارد،مليئة بالمقت والتحدي حتى في لحظاته الأخيرة. الحشود في المدرجات، التي كانت تشاهد المشهد بمزيج من الفزع والذهول، تجمدت أمام هذا التحول المفاجئ،ليصرخ عليهم فجأة بنبرة مليئة بالحقد و الكراهية"هههههههه لقد نلتم مني يا ابناء الم*****،انا اعترف لقد خسرت...لكن ذالك لا يعني فوزكم،حتى مع موتي فكراهيتي و حقدي الشديد لكم لم ينتهي بعد،و سيرتهم شخص اخر لا محالة،انا نتيجة كل افعالكم،على كل قطرة دمٍ أرقتُموها،كل روحٍ سحقتُموها تحت أقدامكم القذرة،كل نفس قتلتم من كان عزيزا عليهم،انا لعنتكم و لن اتتركم حتى ابيد كل واحد منكم حتى من بعد موتي"
تسلل التعب الا جسده،و بدأ البرد بتجميده ببطئ،ليتوقف فجأة عن الركض متقبلا مصيره المحتوم.
في تلك اللحظة الأخيرة، حيث توقف نيكولاس عن الركض، كانت عيناه مثبتتين على إيثان، الذي كان لا يزال جالسًا على الثلج ينظر الا نيكولاس بأعين مكسورة تعكسان خليطا من اليأس و الحزن العميقين،تبادلا نظرة صامتة.
لم يكن ايثان مستعدا لفقدان صديق اخر،لكنه لم يقوى على المساعدة،لم يستطع الصراخ او اخراج اية اصوات،فقط نظرات اخيرة للوداع.
في اللحظة التي فتح فيها الوحش فمه العملاق،قفز نيكولاس فجأة إلى الجانب، محاولًا استغلال آخر ذرة من قوته لتأخير مصيره ولو لثوانٍ. لكن الوحش كان أسرع، وفي غمضة عين، أطبقت مخالبه على جسد نيكولاس، ممزقة إياه بقوة وحشية. الدماء تناثرت على الثلج الأبيض، ملطخة الأرض بلون قرمزي قاتم.
ليترك ايثان لوحده وسط المقبرة التلجية،رفع رأسه بهدوء للأعلى ناظرا الا الحشود،ليرا نظرات الاستمتاع و التشويق تنعكس من عيونهم.
يشاهدون معاناتهم، يستمتعون برؤيتهم يفشلون، يسقطون واحدا تلو الاخر،و يموتون...
عيناه الميتتان بدأتا بالتحول شيئا فشيئا،شيئ جديد بدأ بالنمو في اعماقه،شعلة صغيرة من الغضب بدأت بالتغذي على مشاعره واحدتا تلو الاخرى حارقتا كل شيئ في طريقها،محولتا مشاعره الا غضب لا متناهٍ.
تنفسه بدأ بالتسارع،عضلات اصابعه مشدودة من الغيض،و نيران الغضب و الكراهية سيطرت على عينيه.
نزع ايثان ملابسه بهدوء لعدم جذب انتباه الوحش،و بكل بطئ و حذر بدأ بلف قميصه حول البتر،و بإستعمال يده المتبقية و اسنانه بدأ بشده بقوة للإيقاف النزيف المهدد لحياته،الالم كان لا يطاق تعابير فتح فمه و كأنه يصرخ لكنه لم يستطع حتى اخراج الاصوات.
بأعين مليئة بالجدية و الغضب،نظر ايثان الا بقايا جثة جيني امامه،اخذ نفسا عميقا ثم سحب ما تبقى من عظامها.
نهض على قدميه،و بكل ما اوتي من قوته قام بقذف عظامها بعيدا جاعلا اياها ترتطم في احد الجدران مصدرتا صوتا خافتا لكنه مسموع،من ما جعل الوحش يركض نحو مصدر الصوت دون تردد.
بكل همجية حاول الوحش افتراس مسبب الصوت،لينتهي به الامر بأكل الثلوج فقط.
إيثان، بكل ما تبقى له من قوة وإرادة، واصل رمي بقايا الجثث من سبقوهم في أرجاء الساحة الجليدية. كل قطعة كان يلقيها كانت تُحدث صوتًا خافتًا يجذب الوحش العملاق،لينتهي به الامر بعدم ايجاد شيئ من ما زاد من غضبه.
مرارا و تكرارا دون هوادة،الا ان في نقطة معينة،وصل الوحش الا حدود تحمله،ليطلق زئيرا مرعبا يهز الارجاء.
بدون مقدمات بدأ الوحش بالركض بكل ما يملك من بسرعة مصطدما بالجدارن بكل ما يملك من قوة.
سبب الاصطدام اهتزازا عنيفا للمدرجات من ما زرع الرعب و الخوف في قلوب الكاتوريين.
استمر الوحش في هيجانه العمياء، جسده العملاق يرتطم بالجدران الشاهقة مرة تلو الأخرى، كل اصطدام يُصدر صوتًا مدويًا يهز الأرض كأنها تنهار تحت وطأة غضبه.استمر الوحش في هيجانه العمياء، جسده العملاق يرتطم بالجدران الشاهقة مرة تلو الأخرى، كل اصطدام يُصدر صوتًا مدويًا يهز الأرض كأنها تنهار تحت وطأة غضبه.
و ايثان يراقب من بعيد،مستعد لتجنبه في اية لحظة.
الكاتوريون في المدرجات، الذين كانوا يتمايلون في حماسهم قبل لحظات، تحولوا إلى تماثيل من الرعب وجوههم شاحبة كالجليد، أيديهم مشبكة في الخوف، وهمساتهم الخافتة تتحول إلى صرخات مكبوتة. بعضهم قفزوا من مقاعدهم، يدوسون بعضهم البعض في محاولة يائسة للوصول إلى المخارج،لكن صراخهم لم يزد سوا من غضب و انفعال الوحش.
في تلك اللحظة المشؤومة، انفجر الشق في الجدار كجرح عميق ينزف الحجارة والغبار، صوت الانهيار يشبه عواء الرياح في عاصفة قاحلة، يتردد بالارجاء،صانعا درجا من الحطام يقود ناحية المدرجات
من كانو في المدرجات بدئو بالتساقط كالرمال على الارض التلجية،أجسادهم تتدافع في فوضى عمياء، يصرخون ويبكون طالبين المساعدة،لكن صرخاتهم كانت تدل الوحش على مكانهم لا غير.
ليبدأ الوحش بإلتهامهم الواحد تلو الاخر،مهمشا عظامهم،مبعثرا احشائهم و دمائهم على الارض الجليدية،كلوحة فنية من الرعب المطلق.
بينما حاول الناجون من السقوط الهروب بحياتهم،استمع الوحش لصرخاتهم،ليبدأ بالصعود ناحيتهم بإستعمال الحطام كسلالم.
احد الكاتوريين في اخر الزحام،يدفع بكل ما اوتي من قوة محاولا الهروب من هذا الموقف،صرخاته ممتزجة مع العشرات غيره،و الرعب يخيم عليهم كغيمة سوداء.
نظر الكاتوري بفزع للوراء،لتتجمد عروقه من المنظر الذي رأاه.
الوحش بجسده العملاق،صعد الا المدرجات،مخالبه العملاقة اخترقت الحجارة،و اسنانه مليئة بالدماء و بقايا الجثث.
الكاتوري ذلك الرجل الذي كان قبل دقائق يصفق بحماس لموتهم كأنه يشاهد عرضًا مسرحيًا وقف الآن كتمثال من الجليد، فمه مفتوح في صرخة صامتة، عيناه المستديرتان تعكسان الوحش كمرآة مكسورة، حوله الزحام الذي كان يدفعه للأمام توقف للحظة، ثم انفجر في فوضى أكبر الأجساد تتصادم، الأيدي تمتد يائسة طلبا للمساعدة.
دون رحمة،ليفتتح الوحش المذبحة،مبتلعا الكاتوريين واحدا تلو الاخر.
الدماء ترش على وجوه الباقيين،و الصدمة تتجذر في قلوبهم من هول المنظر امامهم.
بقايا الميتين تساقطت على الارض،و دمائهم لونت المدرجات بلون احمر مقيت مليئ بالموت و الخوف.
الوحش واصل مذبحته دون توقف،بطنه لم تشبع مهمى التهم منهم،و رائحة الدماء جعلت غريزته الحيوانية منتشية لأقصى الحدود.
في مكان اخر غير بعيد عن المجزرة الواقعة بالحلبة،كان الملك يهبط من احد السلالم المخصصة له،هاربا بحياته تاركا شعبه يموت بالخارج.
الجدران حوله تهتز بعنف،و صرخات شعبه تتردد حوله،و تشققاتها تتسع مع الوقت.
لكن الملك لم يلتفت؛ كان يهرول بأقدام مرتجفة على السلالم الخشبية السرية، تلك التي بناها خلف العرش لأيام الهروب السريع، و العرق يتصبب من جسده بغزارة من شدة الخوف،قائلا اثناء نزوله بنبرة مليئة بالغيض"اللع*نة على كل هذا،لم يكن من المفترض حدوث هذا،من المفترض ان يموتو،يموتوو،اعععععععععععععععععع،اللع*ة على ذال الفتى لما لم يمت وحسبت مثل اصدقائه؟،لماذا لماذا؟"
بعد مدة قليلة من الهبوط أخيرًا، وصل إلى نهاية السلالم،ليبتسم ابتسامة النصر و يقول بنبرة مليئة بالسعادة"لكني نجوت على الاقل هاهااااااا"
فجأة توقف الملك عن الحركة، واقفًا بأخر الدرج ناظرًا إلى نهاية الطريق، حيث يُفترض أن يكون طريق هروبه.
المكان في ذاكرته كان عبارة عن غرفة صغيرة،في اخرها باب صغير يقود لخارج الحلبة حيث يمنكه الهروب.،لكن الامر لم يألف لتوقعاته.
ذلك الجدار الحجري السميك الذي كان يُفترض أنه يحمي الغرفة تداعا بالكامل،حطامه غطى على باب الهروب،تاركا المكان دون مهرب حقيقي.
وفي وسط هذا الخراب،في نهاية السلالم،كان ايثان واقفا مكانه ناظرا الا الملك بأعين واسعة خالية من الرحمة،جسده بأكمله غارق بدماء أعدائه وأصدقائه مختلطة في طبقة لزجة حمراء تلتصق بجلده،ذراعه المبتور ملفوفة بملابسه المشبعة بالدم القديم، ويده اليسرى المتبقية تمسك بعظمة بشرية مدببة.
الملك تجمد في مكانه،ابتلع لعابه ببطئ،ابتسامته تلاشت بسرعة،و عيناه ملئتا بالخوف و القلق.
في حركة يائسة رفع الملك يده ناحيته محاولا تهدئته قائلا بمزيج من الودية و الخوف"اهدئ يا فتى،يمكننا مناقشة الامر بسلمية،يمكنني ان ادلك الا طريق الهروب و الهرب معا،ما رأيك؟صفقة رابحة صحيح!"
ايثان و بدون تفكير بدأ بالركض ناحيته بعينين حيوانيتين مليئة بالتعطش لدماء.
لينطلق الملك هاربا بالاتجاه المعاكس بوجه مفزوع مليئ بالخوف،مستعملا ما تبقا له من تحمل لركض من موته.
اصوات خطواتهم ترددت بالارجاء مختفية تحت اصوات الصرخات و سفك الدماء.
التعب تغلغل في عظام الملك،كونه لم يكن متعودا على الركض طيلة حياته.
على غفلة،تعتر الملك من على الدرج ساقطا بعنف على وجهه،مصدرا انينا خفيفا متقلا بالالم.
حاول الوقوف بسرعة قبل ان يصل قاتله اليه،لكن الاوان قد فات بالفعل.
ايثان بكل همجية و عنف،وجه ركلة مباشرة لرأس الملك صادما جبينه بالدرج المدبب بعنف،قاطعا جزئا من جبينه.
ليبدأ الملك بالصراخ من الالم لتمتزج صرخاته مع صرخات شعبه.
دون رحمة امسكه ايثان من لباسه الملكي،جاعلا ظهره مقابلا لسلالم من تحته بوضعية غير مريحة.
دون ترك فرصة له لراحة،انهمر ايثان عليه بالطعنات.
صرخات الملك تتقطع مع كل طعنة تغوص في جسده،و الدماء تتدفق بغزارة من كل طعنة.
حاول الملك المقاومة لكن الالم كان اقوى منه.
نطق الملك قائلا بنبرة مليئة بالالم و اليأس"ارجوك،اعععععع،ارجوك توقف،سأفعل اي شيئ،اي شيئ،اعععععععععع،سأعطيك السلطة،المال،و كل ما تحتاج،سأجعلك اعلى حتى من اعلى الرتب الموجودة،اععععععععععع،لذالك...فقط اعفو عن حياتي"
رغم ذالك،لم تأثر كلمات الملك و لو ذرة عليه.
كل ضربة كانت تحمل معها غضبا لا نهاية له،و كل طعنة كانت تسبب الما لا يطاق لمتلقيها.
ثيابه الملكية لطخت بالدماء،و عيناه انتفختى من شدة المعانات،و فمُه لم يعد سوى بئر يخرج منه الدم والهواء المتقطع.
وبدون أي تردد، غرس العظمة المدببة في عنق الملك،لينفجر الدم من حلقه مثل نافورة صغيرة.
عيناه المذعورتان تتوسلان، تبحثان عن ذرة رحمة في ملامح إيثان، لكن ما وجدته كان فراغًا أسود لا يعرف الشفقة.وجه الفتى، الملطخ بالدماء، جامد كالصخر، بلا تعبير، بلا صوت، سوى أنفاسه الثقيلة التي تشبه زئير وحش يلتهم فريسته
لتسحب الحياة من عينيه، شيئًا فشيئًا، حتى غدت نظراته الزجاجية فارغة، تحدق في العدم،جسده تراخى كليًا، يديه سقطتا بلا قوة، كدمية مقطوعة الخيوط.
بينما بقي إيثان متمسكًا بالعظمة في عنقه لثوانٍ إضافية،ثم أفلتها ببطء، تاركًا الجثة تسقط ببطء على الدرج، ليتردد صدى ارتطامها في الممر الحجري.
وقف إيثان، يعلو صدره صعودًا وهبوطًا، أنفاسه الثقيلة تصدر مثل زمجرة وحش مكبوت.لم يكن في عينيه أثر للنصر أو حتى الراحة… فقط غضب لا محدود.
رغم قتله للملك،رغم تركه للوحش ينهش بالكاتوريين الا ان ينهي عليهم اجمعين.
شعلة الغضب بداخله لم تخف،بل استمرت بالاشتعال دون توقف و كأنها لم تنل كفايتها بعد.
امسك ايثان وجهه بعصبية،عروق يده بارزة،و الغضب في عينيه لم يختفيا بعد.
و شيئ واحد يتردد في باله"هذا...غير... كافٍ."
فجأة لمحت عيناه شيئا ما في جثة الملك،لفافة كبيرة موضوعة في جيبه ملطخة قليلا بالدماء.
بعد ثوانٍ من التردد،مد إيثان يده المرتجفة نحو جيب الملك حاملا الفافة.
امسك بطرفها بيده،فإنزلقت للارض بتقلها،تتدلى و تكشف ما بداخلها ببطئ.
تمعن النظر فيها لثوانٍ معدودة،لتتجمد عيناه في اتساع مفاجئ لما تجلّى أمام عينيه.
كانت عبارة عن خريطة كبيرة،ليست كمثل التي رأها سابقا،مليئة بالتفاصيل و الاماكن المختلفة،لكنه سرعان ما أدرك شيء أعظم من مجرد أماكن جديدة.
7 رسمات لرمز الكاتوران منتشرة في مختلف بقاع الخريطة،كاشفتا لإيثان عن 7 ممالك اخرى للكاتوران.
استبدلت ملامحه ببطئ من الصدمة،الا مزيج من الغضب و البرود.
تمعن قليلا بالخريطة،ليلحظ بالقرب من احد رموز الكاتوران اشكالا اشبه بالاماكن التي زارها من قبل مع اصدقائه الراحلين،من ما جعله يدرك انه موجود بتلك النقطة.
تقدم ايثان قليلا للأعلى مبتعدا عن الدماء من تحته،ليقوم بوضع الخريطة على الارض،و ببطئ وضع اصعبه الملطخ الدماء على رمز الامبراطورية التي هو فيها مالئا الفراغ بين الدائرة و النقطة في منتصفها بالدماء.
"تم تخلص من واحدة و بقي 6.."
نهاية الفصل
و بداية ارك الكاتوران
تنبيه بسيط:لا اعرف ان كان هناك احد يشاهد هذا ام لا،لكن التفاعل على الرواية معدوم تماما،من ما سيجعلني انزل الفصول بفترات عشوائية بسبب انه لا يوجد احد اساسا يتابعها.
اي اني قد انزل فصلا كل شهر او شهرين او حتى 3.
لذا ان كنت متابها سريا يتابع فقط الرواية دون نطق شيئ فأرجوك علق على الفصول او قل اي شيئ ذالك سيشجعني لتنزيل بشكل منتضم اي فصلا كل اسبوع.